"
القاعدة وضعت لنفسها مرتكزا داخل منطقة المغرب العربي، وهي بذلك تؤكد نجاحها في التحول إلى تنظيم موزع جغرافيا على نحو دقيق محكم يقبض على أهم مداخل العالم العربي
"
وتعليقا على ذلك قالت تاونسند مستشارة الأمن الداخلي للرئيس الأميركي "إن التهديد واضح والإدارة الأميركية تأخذه على محمل الجد"، بمعنى أن العراق لم يعد مجرد مجال لفعل القاعدة، بل مدرسة لتكوين كوادرها لإعادة توزيعهم في الخارج!
أما في شمال أفريقيا فإن تحول وجود القاعدة من خلايا منفصلة تتحرك بمبادرات ذاتية، إلى تنظيم محكم البنية بفضل انضمام "الجماعة السلفية"، يؤشر على حدوث نقلة نوعية في التوسع التنظيمي للقاعدة.
وقد تشكل الحالة الجزائرية -بحكم طبيعتها الجغرافية وظروفها السياسية- وضعا مساعدا على نجاحها في المنطقة، بل وجعلها منطلقا للعمل في محيطها الإقليمي ومنه إلى أوروبا.
وبما أن الوجود التنظيمي الجديد للقاعدة لم يكن لحظة ابتداء بل نتيجة تغيير في تنظيم سابق هو الجماعة السلفية للدعوة والقتال، فإن تحليل نشأة القاعدة في المغرب العربي يحتاج ابتداء إلى دراسة نشأة العمل الإسلامي المسلح في المنطقة، وصيرورة تطوره ونوعية الأفكار الموجهة له.
من الدعوة إلى القتال
وفي سبيل إنجاز هذا التحليل لابد من التركيز على الحالة الجزائرية، فما هي صيرورة تطور الإسلام السياسي في المغرب العربي (الجزائر خاصة) من الدعوة إلى القتال؟ وما مستقبل العمل المسلح بفعل انتظامه اليوم تحت إطار القاعدة؟
للإجابة على هذه الأسئلة التي نعترف ابتداء أن بعضها لا نملك عنه معلومات دقيقة تمكن من تكوين رؤية واضحة، لابد في البدء من تحليل الحالة الحركية الإسلامية في منطقة المغرب العربي، والنظر في تطور وعيها السياسي حتى ظهور إستراتيجية العمل المسلح.
في بداية السبعينيات ستشهد دول المغرب العربي تغييرا نوعيا في الوعي السياسي، حيث ستظهرت التنظيمات الحركية الإسلامية المتأثرة بالنهج الإخواني :
ففي المغرب ستتشكل حركة الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع، وفي تونس ستتأسس حركة الجماعة الإسلامية عام 1969، وفي الجزائر ظهر تيار الإخوان المسلمين بقيادة محفوظ نحناح.
واختلافا مع خيار نحناح التابع لتنظيم عالمي سيظهر تيار "الجزأرة" الذي سيبرز بدءا من عام 1982 كتيار إسلامي معارض لأي تبعية خارجية وينادي بالخصوصية القُطرية.
ونجد أن من بين الأسماء المؤسسة لهذا التيار عبد القادر حشاني (الذي سينضم لاحقا إلى جبهة الإنقاذ)، ومحمد السعيد. وكان لهذا التيار وجود ملحوظ في الأوساط الجامعية، وكان هؤلاء الجزأريون يعدون الشيخ أحمد سحنون مرجعا لهم، كما يعدون أنفسهم وارثين لميراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ولفكر مالك بن نبي، وهم في كل ذلك يؤكدون خصوصية التنظيم وعدم ارتباطه بجهة خارجية.
"
الحالة الإسلامية في المغرب ظلت طوال السبعينيات -رغم كل التحولات- حالة أفكار ودعوة تطمح إلى التغيير بشكل سلمي أو بانقلاب عسكري ينحصر عنفه في تغيير النظام, ولم يتحول خيار ممارسة العنف المادي إلى خيار إستراتيجي يتأطر في شكل عمل مسلح إلى بعد عشر سنوات
"
وبالإضافة إلى هذين التيارين (الإخوان والجزأرة)، كان ثمة تيار إسلامي مسلح بقيادة مصطفى بويعلي، وقد بدأ هذا التيار نشاطه في السبعينيات عبر سلسلة من العمليات التي استهدفت الحانات وأماكن اللهو في باب الواد.
ثم تطور الأمر إلى مواجهات مسلحة ضد قوات الأمن عام 1979. لكن تنظيم بويعلي سيتم تفكيكه بعد مقتل مؤسسه يوم 3 فبراير/ شباط 1987, ليبقى رغم القضاء عليه مرجعا للتيار الجهادي الجزائري الذي سيظهر في التسعينيات.
إضافة إلى هذه التيارات الثلاثة كان ثمة فقهاء وأئمة يتحلق من حولهم جموع من الشباب الذين سيُكَوّنون المادة الأساسية لتأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة عباسي مدني وعلي بن حاج عام 1989.
ستشهد نهاية السبعينيات حدثا هاما كان له وقعه في المنطقة وهو حدث الثورة الإيرانية التي رغم توجهها الشيعي تم تلقيها في المغرب العربي كنموذج يؤكد إمكانية نجاح الفكرة السياسية الإسلامية كفكرة انقلابية تغييرية.
لكن الحالة في المغرب الإسلامي ظلت رغم كل هذه التحولات حالة أفكار ودعوة تطمح إلى التغيير بشكل سلمي أو انقلاب عسكري ينحصر عنفه في تغيير النظام (مصطفى بويعلي في الجزائر، وعبد الكريم مطيع في المغرب)، ولم يتحول خيار ممارسة العنف المادي إلى خيار إستراتيجي يتأطر في شكل عمل مسلح، لذا ينبغي انتظار نحو عشر سنوات لظهور العمل المسلح بهذا المدلول الشامل.
ما الذي حدث في الثمانينيات؟
إن الحدث البارز هو الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، حيث استقطب الواقع الأفغاني هجرات شباب بداع الجهاد لتحرير بلد مسلم، وكان دعم الجهاد الأفغاني سياسة متبناة من قبل الدول الخليجية وخاصة السعودية، ولم يكن الدعم الذي تلقاه ماديا فقط بل وبشريا أيضا.
ومنطقة المغرب العربي لم تكن استثناء، بل كان الجزائريون يشكلون من الناحية العددية ظاهرة واضحة في دعم الجهاد.
في الواقع الأفغاني تكون جيل جديد من شباب المغرب العربي من الجزائر وليبيا والمغرب، وكان المذهب الإسلامي الذي تكونوا عليه هو المذهب السلفي القادم من السعودية بلونه الوهابي. ومع انتهاء الجهاد وخروج الروس ثم انقلاب المجاهدين بعضهم ضد بعض، حدثت هجرة مضادة.
القاعدة وضعت لنفسها مرتكزا داخل منطقة المغرب العربي، وهي بذلك تؤكد نجاحها في التحول إلى تنظيم موزع جغرافيا على نحو دقيق محكم يقبض على أهم مداخل العالم العربي
"
وتعليقا على ذلك قالت تاونسند مستشارة الأمن الداخلي للرئيس الأميركي "إن التهديد واضح والإدارة الأميركية تأخذه على محمل الجد"، بمعنى أن العراق لم يعد مجرد مجال لفعل القاعدة، بل مدرسة لتكوين كوادرها لإعادة توزيعهم في الخارج!
أما في شمال أفريقيا فإن تحول وجود القاعدة من خلايا منفصلة تتحرك بمبادرات ذاتية، إلى تنظيم محكم البنية بفضل انضمام "الجماعة السلفية"، يؤشر على حدوث نقلة نوعية في التوسع التنظيمي للقاعدة.
وقد تشكل الحالة الجزائرية -بحكم طبيعتها الجغرافية وظروفها السياسية- وضعا مساعدا على نجاحها في المنطقة، بل وجعلها منطلقا للعمل في محيطها الإقليمي ومنه إلى أوروبا.
وبما أن الوجود التنظيمي الجديد للقاعدة لم يكن لحظة ابتداء بل نتيجة تغيير في تنظيم سابق هو الجماعة السلفية للدعوة والقتال، فإن تحليل نشأة القاعدة في المغرب العربي يحتاج ابتداء إلى دراسة نشأة العمل الإسلامي المسلح في المنطقة، وصيرورة تطوره ونوعية الأفكار الموجهة له.
من الدعوة إلى القتال
وفي سبيل إنجاز هذا التحليل لابد من التركيز على الحالة الجزائرية، فما هي صيرورة تطور الإسلام السياسي في المغرب العربي (الجزائر خاصة) من الدعوة إلى القتال؟ وما مستقبل العمل المسلح بفعل انتظامه اليوم تحت إطار القاعدة؟
للإجابة على هذه الأسئلة التي نعترف ابتداء أن بعضها لا نملك عنه معلومات دقيقة تمكن من تكوين رؤية واضحة، لابد في البدء من تحليل الحالة الحركية الإسلامية في منطقة المغرب العربي، والنظر في تطور وعيها السياسي حتى ظهور إستراتيجية العمل المسلح.
في بداية السبعينيات ستشهد دول المغرب العربي تغييرا نوعيا في الوعي السياسي، حيث ستظهرت التنظيمات الحركية الإسلامية المتأثرة بالنهج الإخواني :
ففي المغرب ستتشكل حركة الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع، وفي تونس ستتأسس حركة الجماعة الإسلامية عام 1969، وفي الجزائر ظهر تيار الإخوان المسلمين بقيادة محفوظ نحناح.
واختلافا مع خيار نحناح التابع لتنظيم عالمي سيظهر تيار "الجزأرة" الذي سيبرز بدءا من عام 1982 كتيار إسلامي معارض لأي تبعية خارجية وينادي بالخصوصية القُطرية.
ونجد أن من بين الأسماء المؤسسة لهذا التيار عبد القادر حشاني (الذي سينضم لاحقا إلى جبهة الإنقاذ)، ومحمد السعيد. وكان لهذا التيار وجود ملحوظ في الأوساط الجامعية، وكان هؤلاء الجزأريون يعدون الشيخ أحمد سحنون مرجعا لهم، كما يعدون أنفسهم وارثين لميراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ولفكر مالك بن نبي، وهم في كل ذلك يؤكدون خصوصية التنظيم وعدم ارتباطه بجهة خارجية.
"
الحالة الإسلامية في المغرب ظلت طوال السبعينيات -رغم كل التحولات- حالة أفكار ودعوة تطمح إلى التغيير بشكل سلمي أو بانقلاب عسكري ينحصر عنفه في تغيير النظام, ولم يتحول خيار ممارسة العنف المادي إلى خيار إستراتيجي يتأطر في شكل عمل مسلح إلى بعد عشر سنوات
"
وبالإضافة إلى هذين التيارين (الإخوان والجزأرة)، كان ثمة تيار إسلامي مسلح بقيادة مصطفى بويعلي، وقد بدأ هذا التيار نشاطه في السبعينيات عبر سلسلة من العمليات التي استهدفت الحانات وأماكن اللهو في باب الواد.
ثم تطور الأمر إلى مواجهات مسلحة ضد قوات الأمن عام 1979. لكن تنظيم بويعلي سيتم تفكيكه بعد مقتل مؤسسه يوم 3 فبراير/ شباط 1987, ليبقى رغم القضاء عليه مرجعا للتيار الجهادي الجزائري الذي سيظهر في التسعينيات.
إضافة إلى هذه التيارات الثلاثة كان ثمة فقهاء وأئمة يتحلق من حولهم جموع من الشباب الذين سيُكَوّنون المادة الأساسية لتأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة عباسي مدني وعلي بن حاج عام 1989.
ستشهد نهاية السبعينيات حدثا هاما كان له وقعه في المنطقة وهو حدث الثورة الإيرانية التي رغم توجهها الشيعي تم تلقيها في المغرب العربي كنموذج يؤكد إمكانية نجاح الفكرة السياسية الإسلامية كفكرة انقلابية تغييرية.
لكن الحالة في المغرب الإسلامي ظلت رغم كل هذه التحولات حالة أفكار ودعوة تطمح إلى التغيير بشكل سلمي أو انقلاب عسكري ينحصر عنفه في تغيير النظام (مصطفى بويعلي في الجزائر، وعبد الكريم مطيع في المغرب)، ولم يتحول خيار ممارسة العنف المادي إلى خيار إستراتيجي يتأطر في شكل عمل مسلح، لذا ينبغي انتظار نحو عشر سنوات لظهور العمل المسلح بهذا المدلول الشامل.
ما الذي حدث في الثمانينيات؟
إن الحدث البارز هو الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، حيث استقطب الواقع الأفغاني هجرات شباب بداع الجهاد لتحرير بلد مسلم، وكان دعم الجهاد الأفغاني سياسة متبناة من قبل الدول الخليجية وخاصة السعودية، ولم يكن الدعم الذي تلقاه ماديا فقط بل وبشريا أيضا.
ومنطقة المغرب العربي لم تكن استثناء، بل كان الجزائريون يشكلون من الناحية العددية ظاهرة واضحة في دعم الجهاد.
في الواقع الأفغاني تكون جيل جديد من شباب المغرب العربي من الجزائر وليبيا والمغرب، وكان المذهب الإسلامي الذي تكونوا عليه هو المذهب السلفي القادم من السعودية بلونه الوهابي. ومع انتهاء الجهاد وخروج الروس ثم انقلاب المجاهدين بعضهم ضد بعض، حدثت هجرة مضادة.