roubaii.mohammed

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
roubaii.mohammed

ان المنتدى سيكون مميزن وميكون رهنا اشارت الجميعة. roubaii.mohammed


    أول حـب… آخر حـب 18

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 128
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 33
    الموقع : roub.yoo7.com

    أول حـب… آخر حـب 18 Empty أول حـب… آخر حـب 18

    مُساهمة  Admin السبت أغسطس 29, 2009 6:00 pm

    في البيت قابلت المرآة. حدّقت بالعينين، وبأصابعها أزاحت خصلات من شعرها الذي وشّاه الأبيض. تأففت، وعلى عجل أخرجت بطاقة هويتها. هاجمتها ضحكة. إنها في الخامسة والأربعين. ما الذي يحصل معها؟ نظرت نحو الباب وجلست. نهضت. إنه ينتظرها. هذا طبيعي! وعادي جداً. طبيعي أن يتحادثا، وأن يتناقشا، وطبيعي أن يتعرّف كل منهما إلى الآخر. من أين هو؟ من أين أتى؟ ماذا يفعل في هذه البلاد؟ ما الذي يخيفها ؟ لماذا الهروب؟ ستذهب إليه الآن، وستسأله ببساطة عما يريد. ولم يطالب بها. شحنت نفسها قوة واتجهت نحو المطعم .‏

    نهض يرحّب بها. تعمّدت ألاّ تنظر بعينيه. سألت وهي تراقب المكان بنظرة فاحصة طويلة:‏

    ء هل سألت عني ؟‏

    ارتبك قليلاً. أجاب:‏

    ء اسمحي لي ببضعة دقائق. أرجو أن تجلسي قليلاً.‏

    جلست. شعرت ببساطة ما يحدث. أشارت إلى ميري بإحضار القهوة. عقصت كفّيها وسألت بحزم :‏

    ء أنا أسمعك‏

    تململ قليلاً. قال بتهذيب :‏

    ء أتيتك كصديق.. أريد منك بعض الوقت. إن سمحت؟ اختاري المكان. هذا عنواني .‏

    قبل أن تتناول البطاقة. أشارت أن يختصر الوقت، ويفصح عما يريده. تجاهل النصيحة. كانت تمعن النظر في العنوان. تمتمت بدهشة :‏

    ء أين اسمك؟ أرى على البطاقة اسم امرأة؟‏

    ء أجل .. أختي .. عائدة .‏

    ء إذن لك أخت في توليدو ؟‏

    ء نتحدّث في هذا لاحقاً .. أنتظر هاتفك. أرجو ذلك .‏

    نهض . ثم ودّعها مغادراً.‏

    أطبقت على البطاقة، وأسرعت نحو البيت. أغلقت الباب، وقعدت فوق الأريكة. مرّ الوقت وهي في دهشة. كانت تشبه حبة رمل على شاطئ ممتد، ومن بعيد تلاحقها الأمواج. خطوط زبد مشتاقة للرمال. تعانقها. تبللها، وتنزاح لتتجدد بها ومعها، وتتدفق مع النسمة والحب والاشتياق .‏

    شعرت بالغربة في هذا العالم الواسع. الغربة أن تشعر بالاختلاف. كان الوجه الأسمر يبتسم، وكأنه يعلن التميز. طافت في البيت الصغير. طافت طويلاً. احتست القهوة والنبيذ. كانت البطاقة في يدها. ما اسمه؟ لامست البطاقة أكثر من مرة. كل شيء ناصع البياض، وتحولت النقوش المذهبة حوله إلى أشعة شمس، تتدفق لتملأ الأمكنة ضياء .‏

    لم ينجح نبيل في دراسته. كان يسهر الليل وينام في النهار. غاب عن مقاعد الجامعة، ولكي يشغل وقته لجأ إلى العمل في المطاعم والبارات، فتحول من طالب يبحث عن العلم، إلى مدمن على السهر والمخدرات. ازدادت نفقاته، ومتطلبات ميكي والطفل من جهة، ومصاريفه التي تتصاعد كلما انغمس باللهو. أما والده الذي ما فتئ يحلم بعودة ابنه الطبيب، فلم يبخل عليه بمده بما يشير إليه، فهو وحيده الذي بنى عليه الآمال والأحلام .‏

    كان يكره ميكي بقدر ما يحلم بالانغماس معها في فراش واحد، ولا يرى تفسيراً لهذا التناقض، وكأن مشاعر الكره تضرم نار الرغبة كما تفعل مشاعر الحب، فيشعر أحياناً أنها القيد الذي كبّل يديه. فهو قانوناً ملزم بالحياة معها تحت سقف واحد، خاصة وأن حالات مباغتة من التفتيش، انتشرت في الأعوام الأخيرة. لقد عوين البيت أكثر من مرة، وبطريقة فجائية. أين سريرها؟ أين ثيابها؟ أحذيتها. أين تنام؟ فتدل أشياؤها المبعثرة على أنها تعيش هنا في كنف الزوجية الحقيقي.‏

    أما ميكي التي لا تعرف أن تحب سوى نفسها، فلا شيء يستحق الأهمية، عدا تأمين مستلزماتها في الحياة. كل الأمور تنتهي أخيراً. الفرح والحزن. البسيط والمعقد. أتنام أو تعمل؟ أتحضن ابنها أم تربيه أمها؟ النتيجة واحدة. مهم أن تتصرف بما تمليه عليها اللحظة. متناسية ما مضى. متجاهلة ما هو مقبل. لا يهمّها أن ينجح نبيل في دراسته أم لا. يهمها في الدرجة الأولى الاستيلاء على ما في جيوبه، وقد استفادت في الفترة الأخيرة من وضعه. من لامبالاته، فنهجت أسلوب السرقة التي توقعه في الصباح بحيرة كبيرة. كيف ومتى أنفق ما كان بحوزته؟ ويلقي اللوم على الخمرة التي توقعه بالضياع .‏

    كانت ميكي تحسب حساباً ليوم آت، حيث سيعمل على طلاقها. تعد الأيام المتبقية. لكنها كسبت ابناً، وكسبت وقتاً عاشت فيه كزوجة حقيقية. بيت وزوج وبحبوحة في العيش. كان لها مصدر رزق، فإن حدث الطلاق ستبحث عن أجنبي آخر. تمنحه الجنسية لقاء ما سيغدق عليها، ففي كل الأحوال لن ترتبط بأمريكي، تطلقه أو يطلقها. أو يتفقان على الطلاق .‏

    ضحكت ساندي طويلاً وهي تستمع إلى ميكي، أما جينا فقد رقصت كما لم ترقص سابقاً. قامت تقبلها معبّرة عن بهجتها، وتعلن إعجابها بها، فهي تحلم أن يحل بكل شباب العرب ما حل بنبيل، وأن تتحول الفتيات العربيات إلى عاهرات، كي لا يبقى أمثال كاظم، وتتساوى الفتاة العربية مع غيرها. أما ساندي فقد قلبت شفتيها، فهي لا يهمها ما يحدث مع غيرها، وإن كانت تتعاطف مع جينا، لكن وببساطة لا تحسد نبيلاً على حياته مع ميكي، كما لا تحسدها على الحياة معه، بالنسبة لها يسعدها نجاح زاهي، فهي فاعلة معه، وإن كانت المستفيدة بالدرجة الأولى، فهو مستفيد أيضاً، فقد عومل كمواطن أمريكي، له حق العمل والاستفادة، وهي أيضاً استطاعت استغلال هذه الفترة من حياتها، كما تفعل بقية الفتيات اللواتي تزوجن بالإيجار، وكانت تتباهى بزاهي، وتدرك أنه سيغادرها ذات يوم. لكنها معجبة به، وتشعر بقوته، فهو يتغاضى عن تصرفاتها الحمقاء، فتتذكر آخر مشادة وقعت بينهما. تضحك من أعماقها. كان محقاً. لم يكن ذنبها. كان ذنب المخدر. اللعنة. أما ثيابها وثياب ابنها، وزجاجات الحليب الفارغة. تعود للضحك. فقد تحمّلها زاهي كثيراً.‏ قاطعتها ميكي التي أعجبها حديث الميروانا والمخدر، فقد قالت وهي تحمّل كلماتها المزاح. كان يجب أن تتبادلا المواقع هي وساندي. أنا لزاهي وأنت لنبيل. تجمعكما المخدرات، وتدمنان ما طاب لكما .‏

    لم يبتعد أبناء العمة عن هند كما توقع الجميع، وربما ساهمت هي بذلك، فتتحدث عن رابطة القرابة معهم، وما جمعها بهم طوال عشرات السنين، فلجاد الصغير الحصّة الكبرى من الاهتمام، فهو والد لين، والذي دهمه المرض، فأصاب قلبه وعينيه، فتمنحه الرعاية أو تمده بالمال. يحبه أخواه. يغمرانه بالعطف ويعلّقان على التزاماته المتعددة، منها ما يترتب عليه من مصاريف للفتيات الشابات، اللواتي شاركنه المسكن واحدة إثر أخرى، بغية العناية والاهتمام بشؤونه. تكون هند صامتة، وفي أحيان أو حين تتذكّر أمراً، تنعت تلك القرابة، ففي جسدها أكثر من إشارة لعدوانه عليها. يضحك الأصغر وهو يشير إلى أنفها الذي هشّمه جاد الصغير ذات يوم، أو لعظام ظهرها التي خضعت للقفص المعدني. مازالت تشكو الآلام. يضحك جاد الصغير. يهز رأسه علامة التأكيد. لكنه آسف لما حصل. أما الأكبر فقد عذّبها بطريقة أخرى. ينهض هذا مستغفراً. يحاول طبع قبلة على جبينها. تنهره. تنصحه بالذهاب للمرأة الكورية. لكنه سيصبح رجلاً طيباً معها. يكون الأصغر في رحلة مع الطعام، ما بين الصحن والقميص الملوث. يمسح براحة كفّه فوق الصدر والبطن، ويخرج المنديل. يلملم ما فوق الشفتين، ويعلق على ما قاله أخواه وهو يهتز ضاحكاً.‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 2:52 am