roubaii.mohammed

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
roubaii.mohammed

ان المنتدى سيكون مميزن وميكون رهنا اشارت الجميعة. roubaii.mohammed


    أول حـب… آخر حـب 16

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 128
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 33
    الموقع : roub.yoo7.com

    أول حـب… آخر حـب 16 Empty أول حـب… آخر حـب 16

    مُساهمة  Admin السبت أغسطس 29, 2009 8:23 am

    جلست قرب النافذة، وببساطة راحت تفكر بالرجل العربي، وكأنه أتى عشرات المرات، وفي كل مرة يطالب الحديث بلغتها، وبالطعام العربي، فتقرأ في عينيه رغبة الاقتراب. تسأله. يصمت. يغيب في عينيها. ترى؟ هل سيكتشف هذه المرة رغبتها بالركون إليه؟ والثرثرة إلى وقت متأخر؟ هل سيعلم أنها انتظرته عشرات الأيام؟ شعرت فجأة بالخجل. تذكرت أنها امرأة جادة، فهل يحق لها التفكير أو التمادي في الأحلام؟ لكن ألا يحق لها أن تتذكر؟ وصور الحب تداعب مخيلتها. صور مختلفة الألوان. الحب في ذاكرتها مختلف. له طعم الشوق والحرمان. حب لم تعشه مع زوجها الأول، ولم تعشه مع الثاني. حين أحبت ابن الجيران، كان قلبها يدق بعنف. تحمر وجنتاها. يسخن جبينها. حلمت بقبلة منه، فغمرها بذراعيه، ودفنت رأسها بصدره، ومنذ أول عناق وهي ترسم للحب صورة هي وجه ابن الجيران، الذي وقف متفرجاً حين أقبل جاد الصغير ليحملها إلى البعيد، إلى حيث يتحتم أن تنسى، وتغرق في المختلف، في الصعب. كان من الصعب على جاد الصغير تفهم معنى عذرية الفتاة، بجسدها وروحها وأحلامها. كانت علاقته رغبة أولى وأخيرة مع الجسد، الذي قرّر الموت منذ البداية. غادرت الحب لحظة مغادرة الوطن. أودعت قلبها في اللاذقية، وحملت الجسد إلى توليدو مستسلمة للزمن والحياة .‏

    لماذا يذكّرها وجهه بوجه ابن الجيران؟ هي لم تعد تذكر الملامح جيداً. كان هذا قبل ثلاثين عاماً من الآن. فلماذا تعود إلى تلك الفترة؟ ولماذا تتذكر الماضي البعيد؟ لم تنقلها اللحظة إلى المواجهة، فتخلق عندها ما يشبه الذكرى؟ أشياء لها طعم الفرح والأمل والاشتياق. كيف مرت السنوات ولم تشعر بالاختلاف؟ لماذا أصبح اليوم جميلاً؟ بكل ما يحمل من التزامات؟ وبكل الضغوط. إنها أكثر من عاملة. أكثر من ربة عمل. إنها تركض وتشقى لتصل إلى نقطة هي في الاستقرار النفسي، الذي ينبع من استقرارها الاقتصادي في بلد مشحون بالتناقضات .‏

    حضر هانك الذي هدّه المرض، مبتعداً عن نصيحة الطبيب، فالعمل الجراحي ضروري، والامتناع عن التدخين ضروري، فيصر أن كأساً من البيرة أهم ما يرغب به. تحضره تينا على الفور. يتحدث عن زوجته التي ستأتي. يحضر بيل. يجلسان متقاربين. تبتعد هند عنهما. يبدآن المزاح. في عينيها بريق لم تطفئه الأيام أو الهموم. بريق كالحب، بعيداً عن السخرية. أجل.. الألق في عينيها، وحركتها. هل مرّ جورج؟ يضحكان.. هل تعود إلى كل ما كان؟ يجب ألاّ يحصل! لكن كيف تحيا من دون صديق؟ من دون رفيق؟ من يصدّق هذا ؟ ينبري بيل. يتساءل. من يليق بها ؟ يعدون الأسماء العابرة. يهزان رأسيهما. لا. يجب أن يكون مختلفاً. لأنها مختلفة. تقترب هند. يصمتان. تضع راحتيها على كتفيهما. تحييهما، وتنطلق إلى عملها. يلقي هانك نظرة إلى الساعة في يده. ستبدأ وصلته بالعمل بعد قليل. كان ينوب عن العاملات في حالة تغيّب إحداهن. وهذا يوم تخلّفت فيه تينا. علّق بيل بأن غيابها يتكرر هذه الأيام .‏

    أما هانك الذي يعمل في شركة خاصة بسيارات النقل، فقد تخطى الستين من العمر. يبدو في صحة جيدة، أما نقص التروية الذي أصاب قدميه قبل أعوام، أوقعه بالوهن والتعب، إلى أن استجاب لرأي الطبيب وتم العمل الجراحي. يقول بأنه يعمل لينسى مرضه. ليشغل أيامه. لا يحب العطالة والكسل. العمل يجدده. يجدد قلبه الذي أشار الطبيب بعمل جراحي له. لكنه مطمئن إلى حركته. إن قلبه يعمل بشكل جيد . كان بيل يفكر بنصيحة الطبيب، لإجراء عمل سريع، ويعلق على السيجار الذي لا يفارق فمه. اغتنم فرصة نهوضه وتحدث مع هند، للقاء ليندا زوجته، والاتفاق على ضرورة الخضوع لعمل جراحي، كما قال الطبيب. هذه المرة لا علاقة بالساقين، فالقلب هو المهدد .‏

    عاد هانك مبتسماً. كانت هند تدخل المطبخ. قال بيل فجأة:‏

    ء أقسم أنها تشبه امرأة في الذاكرة، أحببتها ذات يوم ولم أنسها.‏

    قاطعه هانك جاداً:‏

    ء إنها امرأة مميزة. بالنسبة لي. أحبها وأقدرها.‏

    ء وهل قلت أني لا أحبها أو لا أقدرها ؟‏

    نظرا فجأة كل إلى الآخر. ضحكا بصوت عال، وكانا ينهضان كل إلى عمله .‏
    هطلت الأمطار منذرة بقدوم العاصفة، ومن خلال الفضاء اللامتناهي، برقت السماء كأسلاك كهربائية. الرعد يقصف، والريح تعصف. هربت العصافير، واختبأت السناجب ملأت المياه الشوارع. تحرّكت مناضد الحدائق المعدنية والمقاعد من أماكنها. بينما السيارات تعبر بحثاً عن الأمان. بدا الجو مرعباً. مخيفاً. قبل دقائق كان السكون يعم سماء توليدو. كانت الشمس ساطعة، والهدوء يكلل الأماكن. هذا هو مناخ توليدو المتقلب باستمرار، ما بين الحر والبرودة. الرطوبة والمطر. الثلج والصقيع.

    توقف كاظم في المطار. لعن مناخ البلد. الصيف أيضاً مزعج. لم يغادره الخوف وهو يراقب السماء، فموعد الطائرة يقترب. قرأ اللائحة للمرة العاشرة. لكنه خائف ، إنه ينتظر عروسه بفارغ الصبر، في هذا الجو المشحون بالقلق. أعلنت شركة الطيران عن وصول الطائرة.‏

    تنفس الصعداء، وحين عانق (نور) سرت الطمأنينة إلى جسده، وكأنه يحملها ويطير، واتجها معاً نحو توليدو. كرر في الطريق وعوده لها، كما حدث قبل الزفاف. ستحيا أجمل حياة. سيكون لها أجمل البيوت. أحدث السيارات، وكانت تبتسم بحياء. أخرجها منه سؤاله عن رحلتها، وساعات الاستراحة مشيراً إلى أسفه لوحدتها. لامت السفارة الأمريكية التي لم تمنح لأحد من أفراد أسرتها تأشيرة السفر .‏

    تعمّد كاظم المرور في أجمل مناطق البلدة. الشوارع العريضة. الحدائق. وسط المدينة حيث ناطحات السحاب، وعلى قلّتها في توليدو غير أنها جميلة ومنظمة. كانت نور تبحث عن الجديد. عن المجهول. ذلك العالم الذي سمعت عنه، أو قرأت أو شاهدت عبر وسائل الإعلام، ومنذ تفجّرت أحلامها مع مجيء كاظم قررت الاستجابة لطلبه، وتزوجا. حدث ذلك خلال أيام قليلة، وخلال أيام غادرها لتتابع الإجراأت القانونية، وليتابع هو الإجراأت الخاصة بالقانون الأمريكي. كانت تخطو نحو السفر بغبطة، كما اغتبط أخوها الذي وعدته بسفر في يوم قريب .‏

    كانت أم كاظم بالانتظار. ألقت بجسدها نحوها. اغرورقت الاثنتان. لقد تحقق الحلم. هذه نور في بيت الزوجية. تنفست الصعداء ثانية. لقد بدأت حياة ابنها من جديد، ودارت الحكايات عن البلد الأم، فتسهب نور. من أرسل السلام. من تزوج. من أنجب. من مات. فتتشوق إلى هناك، وتأخذ وعداً من نور بعودة أخيرة ذات يوم. حيث تقع عليها تلك المهمة. وكانت إلى تلك اللحظة تحلم بإمتاع عينيها، وعمرها الذي لا يتعدى العشرين، من مباهج أمريكا التي هي في أحلامها الأفق والآمال .‏

    دخل كاظم خلال ذلك إلى غرفة الأطفال. خرج. بدا مهموماً. نهض إلى الهاتف. تحدّث قليلاً. عاد. نظر إلى أمه التي بدت وفي جعبتها المزيد من الأخبار. أعاد النظر إلى الساعة. كانت نور خلال ذلك منهمكة بحقائبها. أشارت أمه بالتريث. غير أنه انفجر بالغضب والتساؤل مردّداً‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 2:24 am