تلك الفترة لم تفارقه ابنته، فتحيط ذراعه بلهفة وسكينة، فتبدو هادئة، رقيقة، وحين تحتد تبدو في حالة من الهيجان. يحدث هذا أمام ما يتعلق بسيرة والدها، الذي هو مثلها الأعلى، بكفاحه منذ الشباب، وتصر في كل حديث على نجاحه القادم، وأنه أحق بلقب السيناتور من كثيرين.
تبدّلت حياة كاظم مذ حضرت أمه. أصبح لكل شيء طعم. صحوة الصباح مع قدح القهوة. الطعام. اللباس. عاد كاظم طفلاً مدللاً. يتكئ على كتف أمه. يسألها. يتحدث معها. يخرج بدعائها ويعود على ترحيبها. لم تكن أمه جاهلة. كانت على قدر من المعرفة. رزينة. جادة. معتزّة بنفسها. قاست من الزوج الثري الذي لم تنجب منه. كان له أبناؤه ولها ابنها، وحين غادر البلاد أقسم ألاّ يعود، واعداً أمه بيوم قريب يلتقيان فيه. لم يكن يحب زوج أمه الذي قسا عليه وعليها كثيراً.
أحبت أم كاظم ابنها كثيراً، وكرهت أن يكون أباً لأبناء أمهم أميريكية. فتعامل ابنيه حين يأتيان كالغرباء. وبعد أكثر من لقاء تعلقت بهما، وراحت تحث ابنها على المطالبة بأبوته التي هي حق له . كان مدركاً أن الأمر يختلف في هذه البلاد، فالحق يأتي بأفضلية الحياة التربوية والمعيشية للطفل. لكن الأم أصرّت لتسكب حنانها المخزون، والذي ربما استيقظ في غربتها، وأكثرت من التلميح إلى عذوبته الطويلة، ممنية النفس بيوم قريب تراه زوجاً لأفضل البنات، وهن عديدات، بينهن إحدى القريبات في البلد الأم وهي تنتظر إشارتها .
تباعدت لقاأت جينا وكاظم بعد مجئ الأم، وأخذ يكثر من لقاأت ابنيه، والمطالبة بوجودهما أكثر أيام الأسبوع. دغدغها الأمل في البداية، فربما استيقظت في ذلك البيت مشاعر الأمومة، لتمنح حقّها كـأم في شمل يجمع الأسرة ثانية، وعاهدت نفسها على الإخلاص، ذلك الشعور الذي لا يفارقها ولا تخجل منه، فهي مرصودة لكاظم، ولكل ما يتعلّق بأموره. إلى أن تناهى إلى سمعها ذات صباح، خبر تصميمه على السفر، ثم فكرة الزواج التي تصر أمه على تحقيقها، وكان ابناه ينقلان لها ما يدور بالتفاصيل .
دبّت الغيرة إلى جينا التي لم يسبق لها أن عاشتها. استعملت في البداية طريقة حرمان كاظم من لقائه مع ابنيه، وحين استمرت شائعة السفر، نهجت أسلوباً آخر، وروّجت شائعات تربطها برجال آخرين، وحين لم يبادر كاظم بفعل ما، أكثرت من السهر خارج أوقات العمل، فظهرت مع أكثر من شاب في ملاهي الليل المختلفة. كانت تتحدّث بتفاصيل قصّتها. وفائها لكاظم الذي أحبته، والظلم الذي ألحقه بها. تبكي أحياناً. أو ترقص. فيتعاطف معها بعض الموجودين، وفي إحدى المرات، وكانت الخمرة قد لعبت بها. رقصت بهيستيرية، وراحت تصف عملها الأول عند كاظم، وهي تخلع ثيابها قطعة قطعة، كان هذا عملها الذي أودى بها إلى ما هي عليه، وأخذت تنشج. تلك اللحظة تطوع بعض الموجودين، لإقناعها بارتداء ملابسها، محاولين التأثير عليها والتعاطف معها، وحين تمر بلحظة تذكّر تعود ثانية للبكاء .
حين أتمت جينا عامها الثلاثين، كانت لا تعرف من الرجال غير كاظم، وتؤكد أنها لم تكن مبتذلة في يوم . كان لها عملها الذي يعرفه كاظم وغيره. التعرّي مهنة كغيرها من المهن، والرقص مهنة تقبض أجر ممارستها، وهي التي اعتزلت العمل بعد ارتباطها بالزواج، وبعد إنجابها الأول، واقتصر عملها بعد ذلك على البارات .
شيء واحد لم تستطع العدول عنه، طريقتها في اللباس، فهي تحب الثوب الملتصق بالجسد. الذي يبرز الثديين والأرداف، ويمنح الناظر أكبر مساحة من ساقيها السمراوين .
اغتنم كاظم الفرص وما تقوم به جينا من أفعال، فكان لها بالمرصاد، وضبطها أكثر من مرة وهو برفقة محاميه الخاص، وهي مخمورة في الملاهي والبارات، فقدم الشكوى بحقها وبعدم صلاحيتها لممارسة أمومتها، فجاء أول تهديد عن طريق القانون، ثم الثاني، وحدث أن استرد ابنيه بطريقة شرعية، واستضاف المسؤولين لمعاينة البيت الذي تديره الأم الصالحة، ولم ينس التلميح إلى زواجه القريب . حيث سيصبغ على البيت طابع العائلة والأسرة، وأقر له بتربية ابنيه بعيداً عن عيني جينا، مع الاحتفاظ بحقها في لقاء يتم أسبوعياً، وخلال ذلك كان كاظم يستعد للسفر. أودع ابنيه في كنف أمه، ورحل حالماً بابنة بلده، التي تنتظر كما قالت الأم بفارغ الصبر .
شعرت هند بالاستقرار، ومع ثقتها من تعدد مسؤولياتها كانت واثقة أيضا من استعدادها لسد كل التزام. أصبح الوقت ملكاً لها. تنظّمه. توزّعه. تفرّغت لنفسها. لأمورها. أحبت حديقتها. غرست شتلات الورد والنعناع. أصبحت النسمة مختلفة. الشمس. الليل. تتلقى ما يمر معها بابتسامة. بسكينة. تشعر بالسعادة. تمشي. تعانق الفرح. تعود. تسرق نظرة من المرآة. مازالت جميلة. أما مشاعرها فطفلة، فهي تعشق المرح والإطراء. واثقة من نفسها وحضورها. كانت تنتظر الجديد. كأنها ستفاجأ ذات يوم بما يجدّدها، ويجدّد حياتها . تبتسم إذ تفكر بحبيب سيأتي. يطالعها وجه فالن بابتسامته البريئة. تحادثها، فهي عرفت الحب. كانت صغيرة. وعرفت مراحل وجوانب من الحياة، غير أن ذاك الحب الذي كان يدغدغ مشاعرها. يحملها ويطير بها إلى عوالم من جمال، لم تنسه، ويغفو في أعماقها، ويحلم بالآتي، وكأن العمر يتّسع لمزيد من السنوات، والأحلام، أو كأنه لا يعرف ما يتركه الزمن، في خلايا النفس والجسد من تقلبات، وتعود للحلم من جديد. ولم لا؟ قد يدخل الحب عالمها بجرأة. وقد تحيا قصة حب ما زالت في الذاكرة . قصة لم تكتمل فصولها. لم تعش تفاصيلها. لم تنسها. الطفلة في أعماقها تتململ. تبحث عن الحنان. هذا الجانب الغافي، الذي استيقظ باحثاً عن شيء فقده. عن حلمه الذي لم يتحقق. يعبث في أوصالها ويحثّها على الحياة .
هل لأنها مطلّقة للمرة الثانية ؟ هل لأنها بلا رجل ؟ الرجال حولها من كل صوب، وهي في توليدو البلد الأمريكي، حيث يتنقّل فيه الرجال والنساء، كل كما يرغب أو يريد. لكنها مختلفة بطبعها، وقناعاتها. أمور ترسّخت في كيانها، فهي ترى في الرجل الحب والأمل والوفاء .
كانت دائماً تعقد المقارنات. رجل في الذاكرة، فلا تراه، فتشعر بالتميز لفقدانه، وأحياناً تسقط في فراغ. هاهي الآن تبحث من جديد. هل أتى الموعد؟ تتحرّك بثقة وقد تدفّقت في جنباتها الأحلام .
تبدّلت حياة كاظم مذ حضرت أمه. أصبح لكل شيء طعم. صحوة الصباح مع قدح القهوة. الطعام. اللباس. عاد كاظم طفلاً مدللاً. يتكئ على كتف أمه. يسألها. يتحدث معها. يخرج بدعائها ويعود على ترحيبها. لم تكن أمه جاهلة. كانت على قدر من المعرفة. رزينة. جادة. معتزّة بنفسها. قاست من الزوج الثري الذي لم تنجب منه. كان له أبناؤه ولها ابنها، وحين غادر البلاد أقسم ألاّ يعود، واعداً أمه بيوم قريب يلتقيان فيه. لم يكن يحب زوج أمه الذي قسا عليه وعليها كثيراً.
أحبت أم كاظم ابنها كثيراً، وكرهت أن يكون أباً لأبناء أمهم أميريكية. فتعامل ابنيه حين يأتيان كالغرباء. وبعد أكثر من لقاء تعلقت بهما، وراحت تحث ابنها على المطالبة بأبوته التي هي حق له . كان مدركاً أن الأمر يختلف في هذه البلاد، فالحق يأتي بأفضلية الحياة التربوية والمعيشية للطفل. لكن الأم أصرّت لتسكب حنانها المخزون، والذي ربما استيقظ في غربتها، وأكثرت من التلميح إلى عذوبته الطويلة، ممنية النفس بيوم قريب تراه زوجاً لأفضل البنات، وهن عديدات، بينهن إحدى القريبات في البلد الأم وهي تنتظر إشارتها .
تباعدت لقاأت جينا وكاظم بعد مجئ الأم، وأخذ يكثر من لقاأت ابنيه، والمطالبة بوجودهما أكثر أيام الأسبوع. دغدغها الأمل في البداية، فربما استيقظت في ذلك البيت مشاعر الأمومة، لتمنح حقّها كـأم في شمل يجمع الأسرة ثانية، وعاهدت نفسها على الإخلاص، ذلك الشعور الذي لا يفارقها ولا تخجل منه، فهي مرصودة لكاظم، ولكل ما يتعلّق بأموره. إلى أن تناهى إلى سمعها ذات صباح، خبر تصميمه على السفر، ثم فكرة الزواج التي تصر أمه على تحقيقها، وكان ابناه ينقلان لها ما يدور بالتفاصيل .
دبّت الغيرة إلى جينا التي لم يسبق لها أن عاشتها. استعملت في البداية طريقة حرمان كاظم من لقائه مع ابنيه، وحين استمرت شائعة السفر، نهجت أسلوباً آخر، وروّجت شائعات تربطها برجال آخرين، وحين لم يبادر كاظم بفعل ما، أكثرت من السهر خارج أوقات العمل، فظهرت مع أكثر من شاب في ملاهي الليل المختلفة. كانت تتحدّث بتفاصيل قصّتها. وفائها لكاظم الذي أحبته، والظلم الذي ألحقه بها. تبكي أحياناً. أو ترقص. فيتعاطف معها بعض الموجودين، وفي إحدى المرات، وكانت الخمرة قد لعبت بها. رقصت بهيستيرية، وراحت تصف عملها الأول عند كاظم، وهي تخلع ثيابها قطعة قطعة، كان هذا عملها الذي أودى بها إلى ما هي عليه، وأخذت تنشج. تلك اللحظة تطوع بعض الموجودين، لإقناعها بارتداء ملابسها، محاولين التأثير عليها والتعاطف معها، وحين تمر بلحظة تذكّر تعود ثانية للبكاء .
حين أتمت جينا عامها الثلاثين، كانت لا تعرف من الرجال غير كاظم، وتؤكد أنها لم تكن مبتذلة في يوم . كان لها عملها الذي يعرفه كاظم وغيره. التعرّي مهنة كغيرها من المهن، والرقص مهنة تقبض أجر ممارستها، وهي التي اعتزلت العمل بعد ارتباطها بالزواج، وبعد إنجابها الأول، واقتصر عملها بعد ذلك على البارات .
شيء واحد لم تستطع العدول عنه، طريقتها في اللباس، فهي تحب الثوب الملتصق بالجسد. الذي يبرز الثديين والأرداف، ويمنح الناظر أكبر مساحة من ساقيها السمراوين .
اغتنم كاظم الفرص وما تقوم به جينا من أفعال، فكان لها بالمرصاد، وضبطها أكثر من مرة وهو برفقة محاميه الخاص، وهي مخمورة في الملاهي والبارات، فقدم الشكوى بحقها وبعدم صلاحيتها لممارسة أمومتها، فجاء أول تهديد عن طريق القانون، ثم الثاني، وحدث أن استرد ابنيه بطريقة شرعية، واستضاف المسؤولين لمعاينة البيت الذي تديره الأم الصالحة، ولم ينس التلميح إلى زواجه القريب . حيث سيصبغ على البيت طابع العائلة والأسرة، وأقر له بتربية ابنيه بعيداً عن عيني جينا، مع الاحتفاظ بحقها في لقاء يتم أسبوعياً، وخلال ذلك كان كاظم يستعد للسفر. أودع ابنيه في كنف أمه، ورحل حالماً بابنة بلده، التي تنتظر كما قالت الأم بفارغ الصبر .
شعرت هند بالاستقرار، ومع ثقتها من تعدد مسؤولياتها كانت واثقة أيضا من استعدادها لسد كل التزام. أصبح الوقت ملكاً لها. تنظّمه. توزّعه. تفرّغت لنفسها. لأمورها. أحبت حديقتها. غرست شتلات الورد والنعناع. أصبحت النسمة مختلفة. الشمس. الليل. تتلقى ما يمر معها بابتسامة. بسكينة. تشعر بالسعادة. تمشي. تعانق الفرح. تعود. تسرق نظرة من المرآة. مازالت جميلة. أما مشاعرها فطفلة، فهي تعشق المرح والإطراء. واثقة من نفسها وحضورها. كانت تنتظر الجديد. كأنها ستفاجأ ذات يوم بما يجدّدها، ويجدّد حياتها . تبتسم إذ تفكر بحبيب سيأتي. يطالعها وجه فالن بابتسامته البريئة. تحادثها، فهي عرفت الحب. كانت صغيرة. وعرفت مراحل وجوانب من الحياة، غير أن ذاك الحب الذي كان يدغدغ مشاعرها. يحملها ويطير بها إلى عوالم من جمال، لم تنسه، ويغفو في أعماقها، ويحلم بالآتي، وكأن العمر يتّسع لمزيد من السنوات، والأحلام، أو كأنه لا يعرف ما يتركه الزمن، في خلايا النفس والجسد من تقلبات، وتعود للحلم من جديد. ولم لا؟ قد يدخل الحب عالمها بجرأة. وقد تحيا قصة حب ما زالت في الذاكرة . قصة لم تكتمل فصولها. لم تعش تفاصيلها. لم تنسها. الطفلة في أعماقها تتململ. تبحث عن الحنان. هذا الجانب الغافي، الذي استيقظ باحثاً عن شيء فقده. عن حلمه الذي لم يتحقق. يعبث في أوصالها ويحثّها على الحياة .
هل لأنها مطلّقة للمرة الثانية ؟ هل لأنها بلا رجل ؟ الرجال حولها من كل صوب، وهي في توليدو البلد الأمريكي، حيث يتنقّل فيه الرجال والنساء، كل كما يرغب أو يريد. لكنها مختلفة بطبعها، وقناعاتها. أمور ترسّخت في كيانها، فهي ترى في الرجل الحب والأمل والوفاء .
كانت دائماً تعقد المقارنات. رجل في الذاكرة، فلا تراه، فتشعر بالتميز لفقدانه، وأحياناً تسقط في فراغ. هاهي الآن تبحث من جديد. هل أتى الموعد؟ تتحرّك بثقة وقد تدفّقت في جنباتها الأحلام .