roubaii.mohammed

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
roubaii.mohammed

ان المنتدى سيكون مميزن وميكون رهنا اشارت الجميعة. roubaii.mohammed


    أول حـب… آخر حـب 10

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 128
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 33
    الموقع : roub.yoo7.com

    أول حـب… آخر حـب 10 Empty أول حـب… آخر حـب 10

    مُساهمة  Admin السبت أغسطس 29, 2009 7:52 am

    في طريق عودتها إلى توليدو. شعرت هند بأنها نقية كالثلج، وأن رغبتها في الحياة تزيدها شوقاً لكل شيء، لإخوتها. للين وفالن. لبلدها، ولحبيب في الذاكرة. كانت مبتهجة وهي تستعيد آخر أيام الشقاء. تذكّرت ليلة افتتاح المطعم. كان المرآب يغصّ بالسيارات، والمكان يغصّ بالزوار، وكانت على فرحتها تتحرّك بسرعة، بدهشة. وفي أعماقها يضجّ الفرح. أرادت لو جاء العالم ليشهد. ليرى يومها الجديد، وثمار الجهد والأمل، وكانت ممتنّة عبر الحركة والنظرة للناس. للمحيط. فكّرت بكل جميل. بما نسته. بحب عبر ذات يوم. هاهو وجه الطبيب فريد. بعينيه المشعّتين، وكفّيه الدافئتين. يحضن وجهها. يسألها. هل تتزوجينني يا هند ؟ يخفق قلبها. تخجل. تطرق. يمسح جبينها. يحضن وجهها. يلامس جبينها بشفتيه. يمر فوق الوجه المشتاق. يهمس.. أحبك يا هند، فتنزلق الكلمة.. وأنا أحبك. يحملها ويطير، وتتغير مسارات حياتها. هكذا تتبدّل الحياة. خطوة إثر خطوة. إثر مبادرة. إثر اختيار أو موقف، وتلحق بالحبيب، لتنجب لين وتنجب غيرها، لتأتي فالن وغيرها. قد تمر بأزمات وقد لا تمر. قد تتعب وقد لا تتعب. لكن. وفي كل الأحوال ستسعد برفقة الحبيب الذي يحمل بين جنباته ما تحمله هي من خيرات الوطن .‏

    كل شيء تبدّل لأنها قالت لا .. قال هو .. لن أنسى وجهك يا هند ! ما أجمل تلك الذكرى ؟ ألقت نظرة سريعة على الساعة ها قد شارفت على الوصول، وتعود إلى بيتها وعملها. لكن. لماذا تعود إلى تلك الذكريات البعيدة ؟ ولماذا لا تسترسل بها ؟ وكيف ؟ وهي الجدة التي تتوقّف سعادتها على رضا لين، وابتسامة فالن، وهل يحق لها أن تحلم، أو تتذكّر، أو تحب ؟ هاهي تستعذب الفكرة. هذه اللحظات الجميلة من الأفكار حملتها إلى الوطن، إلى الطفولة العذبة. تحمل رغيف خبز، وتتسلّق شجرة التين. تسمع زقزقة العصافير. تسرع إلى التنور. تصعد إلى البيدر. تركض بين السنابل وتعود، وتتذكر أن حب الوطن أهم ما في الحياة، وأنقى .‏

    لماذا تفكّر ببلدتها وقرية جدّها؟ هل لأنها اشتاقت إلى تلك الزيارات المتقطّعة، التي كانت تقوم بها بين الحين والحين ؟ حلمت للحال برحلة إلى هناك. ستنتهي مشاكلها المادية قريباً. هاهي تفكر بأبناء العمة، وتستغرب أنهم قريبون منها، ولا تكن لهم العداء. في آخر رحلة إلى الوطن، لحقوا بها إلى المطار. كانوا يبكون. جاد الصغير وجورج والأصغر. هل كانوا يبكونها هي ؟ كانوا يبكون غربتهم عن الوطن. كانت هي التي تشدّهم، ودون أن يدروا إلى هناك. إنها أملهم الذي يضيّعونه بغباء. تلك الدموع تغسل عنها الضغينة. تنقّيها. تحملها إلى الحب، وتحمل الحب إليها .‏

    هاهي تقترب من توليدو. تمرّ بين شوارعها. يا الله! منذ زمن لم تر ما تراه! هذا معهد اللغة الذي ثابرت عليه في مجيئها الأول. هنا تلقّت أول عمل في خياطة أثواب الأفراح. هنا تعيش صديقة قديمة. هذه مدرسة لين الابتدائية. هنا تلقّت لين دروس الكاراتية. هنا مدرستها هي التي أعطتها الهايسكول. هذا بيتها الذي عاشت فيه عشرين سنة. من هنا تذهب إلى السوق. هذا الطريق المؤدي إلى مقر عملها. تقترب، وتقترب. ترسل إشارة الوصول. تستقبلها العاملات ببشر. تتذكّر هاتف لين وهي تعبّر عن دهشتها بإقبال الناس ليلة الافتتاح قائلة:‏

    ء هذا ما لم أتوقعه يا أماه !‏

    وكانت هند تراقب أصابعها المتورمة، وأظافرها المتقصّفة، وتبتسم ابتسامة النجاح. ذلك اليوم، خرجت من الباب الرئيسي. بين الحركة والضجيج، وقرقعة الصحون . دارت حول المبنى. كان الباب مفتوحاً. صعدت الدرجات الأربع. دخلت البيت الصغير. ارتمت فوق المقعد الطويل وأغمضت عينيها .‏

    عانقتها ميري وتينا . نظرت إليهما مبتسمة، فابتسمتا .‏

    كانت ميري أطيب العاملات وأرقّهن. تعمل بنشاط وهدوء. تبدو فوق وجهها ملامح الاطمئنان. أنجبت حتى الآن أربعة أبناء. أصغرهم زنجي اللون. له عينان واسعتان ونظرات سريعة متقافزة. تعانقه جدّته التي تحبه بطريقة لافتة. تداعبه. تعلّمه الخطوة والحرف. يكون هو في رحلة عبر وجوه الناس. يبتسم أو يضحك، أو يدغدغ الكلمات .‏

    مازالت ميري في الرابعة والعشرين من عمرها. لم تتزوّج أبداً. أنجبت أبناءها من الزمن. منحتها السنوات مشاعر الأمومة. فغرقت في المسؤوليات والعمل. تساندها أمها التي تفرّغت للأحفاد . فتبدو منذ الصباح جادّة. صبورة. ببنطالها الطويل وقميصها المتدلّي. لم تظهر مرة مكشوفة الصدر أو الساقين، وكانت راضية باستمرار .‏

    أحبت ميري هنداً كثيراً، وتفانت في العمل معها، فتجهد لعمل إضافي، أو لتنوب عن عاملة ما . كان حب العمل في طبعها، أو أن مسؤولياتها أمام مصاريف البيت والأطفال تتفاقم مع الأيام، فهي الممولة الوحيدة للأسرة التي تضمها مع الجدة والأطفال، وهي التي يترتب عليها إعالة الأبناء الذين لا تعرف شيئاً عن آبائهم، وحين تسترجع السنوات العشر الأخيرة من عمرها. لا تأسف على شيء، ولا تلوم نفسها. كانت تعتقد بحبها الأول، والثاني، والثالث. حلمت بشاب يحبها. يمشي معها خطوات العمر. لم تجده أبداً. كانوا يغادرونها إلى غير رجعة، بعد أن يزرعوا في أحشائها ثمن الخطأ والخطيئة معاً.‏

    لم تكن ميري جميلة بقدر ما كانت رقيقة ، ببشرتها البيضاء وعينيها الزرقاوين، وملامحها الدقيقة. وجهها نظيف على الدوام. لا تعرف الأصباغ أو الألوان. صادقة. لا تعرف الكذب أو اللف والدوران، وكأن الوقت لا يسمح لها بصغائر الأمور. جادّة صامتة، وفي كل الأحوال تصقل ملامحها ابتسامة طيبة. تضفي على وجهها الأمل والنقاء .‏

    لم يمنع هذا النقيض بينها وبين تينا من توثيق العلاقة التي بقيت في حدود العمل. لم تحمل إحداهن على الأخرى، فلكل منهما شخصيتها الخاصة التي تميّزها. كانت ميري تضحك لحركة تقوم بها تينا، وتنتظر منها المزيد. في حين تحترم تينا أمور ميري، وتعلّق معجبة بأسلوبها ومثابرتها في العمل، وتقول إن الشعب الأمريكي بكل سلبياته وإبجابياته. يشبه وجهها المستسلم للأيام. تبتسم ميري للملاحظة .‏ أهم ما جمع تينا وميري حبّهما للعمل عند هند، وإخلاصهما لها. كانتا في لحظات الفراغ تستعيدان أحداثاً من حياتها، وتستغربان أن تجابه امرأة الحياة كما فعلت، وأن تنهض بعد شديد المعاناة، وأن تعوّد نفسها ومن حولها على الغفران. كانت فلسفتها في الحياة. أننا ولدنا في زمن واحد . لقد أتاح لنا الزمن فرصة اللقاء والوجود، وعلينا أن نجهد لتحويل هذا اللقاء إلى جمال، وأن ننسى ما هو مؤلم، لنجلب إلى ما حولنا الطمأنينة والراحة .‏

    تهمس لين :‏

    ء ليتني كنت ابنتها ! إني أحسد لين !‏

    أما تينا التي تحاول الإلمام بكل الأخبار من حولها. فتضحك وتقول:‏

    ء في هذه الحالة. عليك أن تحسدي أكثر الفتيات العربيات.‏

    تندهش ميري. تتابع تينا :‏

    ء هنالك يرعى الآباء أبناءهم حتى الرمق الأخير. وبالمقابل يرعى الأبناء آباءهم في مراحل أعمارهم الأخيرة.‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 5:48 am