استيقظت على صوت الهاتف. كانت لين تتحدّث من لاس فيغاس. والصباح في توليدو يعني الرجوع ثلاث ساعات إلى الوراء. خافت. سألتها على عجل :
ء ماذا هنالك يا لين ؟
ء أماه! متى ستتصرّفين بنضج ؟
تذكّرت مواقف سابقة للين .. سألتها بهدوء :
ء ماذا عندك؟ قولي .
ء هل ستنفقين الأموال بشراء مطعم مهجور ؟
تململت هند . قالت :
ء أنا الآن لا أستوعب ما تقولين. لكن المطعم ليس مهجوراً تماماً .
ء كيف ؟ عمي وأبي يفهمان المصلحة أكثر منك .
ء وماذا قالا ؟
ء سنخسر المال حتماً .
ء من قال هذا ؟
ء أبي وعمي .. المنطقة فقيرة والحركة قليلة هناك .
ء هل عمك وأبوك قالا هذا ؟
ء ما بك يا أمي ؟
ء أنا تعبة يا لين. سأنام الآن .. نتحدّث ثانية في الموضوع .
وضعت السماعة . شعرت برغبة في البكاء . ما الذي ينتظرها أيضاً ؟ تذكّرت أياماً مضت . كان جورج يعرف مكانة لين عندها، وعن طريقها يحقق غاياته . استعادت حديثها . تذكّرت ما قالته ليلى ذات مرة . إذا أردت القيام بعمل ما . استمعي إلى نصيحة لين، التي استقتها من عمها، وافعلي عكس ما قالت .
في غمرة الأسى الذي أصابها لم تستطع سوى الابتسام .
لم تنفع أدوية الطبيب في معالجة شيبا، التي وقعت في النسيان، بل ازدادت سوأً، ولم ينصح لها بتغيير العلاج. فتبدو حزينة إن مشت أو تحرّكت. كانت القطة تاشا تراقبها في كل خطوة، فقد تعوّدت على اللعب معها. ومع صغر حجمها. كانت تهاجمها، فتلوي شيبا ذيلها وتبتعد، وحين تتجرّأ تهددها بأن ترفع قدمها وتهبط بها أمامها على الأرض .
خرجت شيبا من البيت وغابت . هبّت هند للبحث عنها، في المنطقة وأبعد من المنطقة، ثم في شوارع المدينة، والحدائق، وحين لم تجدها، وكعادتها في المواقف الصعبة . انهمرت بالبكاء، معدّدة خصال شيبا، ومزاياها . تصف مرضها قبل سنوات، وكيف لم تستجب إلا لأدوية لها علاقة بأدوية البشر، وكان الطبيب مستغرباً، بعد أن يئس من علاجها .
جاء المساء ولم تعد شيبا . كان الطبيب قد شرح لهند تفاصيل مرضها، بدأً من مرحلة النسيان الذي أصاب ذاكرتها والذي يشبه حالات من انفصام، وانتهاء بمرض لا شفاء منه وهو مايطلقون عليه داء أديسون .
أجّلت هند أعمالها، فصورة شيبا في عينيها، مذ رافقتها ذلك اليوم . لم يكن سهلاً أن تنسى، وأن تتجاهل غيابها، فهي صديقة ورفيقة . كانت تفرح إن فرحت، وتحزن إن حزنت، وكم من مرّة شبّهتها بالبشر، والطبيب أيضاً شبّهها بالبشر، وكل من رآها تركت عنده الدهشة، والاستغراب .
لكنها لم تعد، وفي لحظات اليأس. اندفعت هند للطرقات ثانية. تقف وتسأل العابرين. إنها شيبا، مريضة بالنسيان. تفهم كالإنسان. من رآها ؟ ضعيفة وهزيلة، وطيبة ! وعرفت حين اقترب الليل أنها قد تاهت إلى مكان ما .
حين خطرت لها الفكرة. كانت تهرول نحو مقر التلفاز، وهناك عبر الشاشة الصغيرة، ظهرت هند والدمعة في عينيها. ظهرت ذلك المساء أكثر من مرة، وهي تصف شيبا المريضة، ومرضها، وتناشد من يعثر عليها الاتصال بها، أو بالتلفاز لأنها تستحق الرعاية، فهي في أزمة صحية تستوجب اهتماماً خاصاً ورعاية خاصة .
ما حدث تلك الليلة . أن وسائل الإعلام راحت تبحث عن لقاء مطوّل مع هند، للاستفسار عن مرض شيبا، وعن تطورات داء أديسون عند الحيوان، هذا الداء الذي أصاب أحد رؤساء أمريكا السابقين . تسابق الصحفيون إليها . كل يحاول الحصول على سبق صحفي، أعراض المرض وخطواته، ويعقدون المقارنة بين مرض شيبا، ومرض الرئيس الراحل، وفي هذا الجو المشحون ظهرت شيبا .
تفرّغت هند ثانية لهمومها. كان هانك وليندا خلال ذلك يتابعان الإجراأت، ويقدمان النصيحة. تشجّعت هند، وخلال أيام قليلة، تمّت عمليتا التنازل عن المطعم الأول، والارتباط بالثاني.
لم تكن الأمور صعبة كما تصوّرت، ولم تكن ليلى مخطئة وهي تمتحن الأصدقاء، الذين التفوا حولها وأحاطوا بها كان الجميع يتبارون لتقديم العون، وبدأ العمل في البيت الصغير للسكن، وأخذ العمل صفة الجدّية، وتبلورت معالم المكان، وقدم كثيرون المساعدة . كانت هند وجلة أمام دين جميل ومختلف، إلى جانب ما تراكم عليها من ديون حقيقية، ابتداء من الأقساط المترتبة في لاس فيغاس، لكنها وببساطة استسلمت للآتي وما سيحمله من مفاجآت .
ماتت القطة تاشا خلال عملية النقل إلى البيت. كان أول ما ورد إلى ذهن هند، تلك الأرستقراطية التي عاشتها تاشا خلال عمرها، حين تمشي أو تأكل أو تلاعب شيبا. بكتها وهي تفكر بأنها ماتت كما تموت أكثر القطط بين عجلات السيّارات .
كانت المفاجأة كبيرة، وقد تلازم موت القطة تاشا مع موت شيبا. تضاعف حزن هند، فنعت الاثنتين بحرقة، ولم ينتشلها من مشاعر الفقدان سوى هاتف لين. تطالبها بالإسراع لاستقبال الحفيدة التي ستطل على حياتها، وتلون لها الأيام . وابتدأت حياة هند من جديد .
ء ماذا هنالك يا لين ؟
ء أماه! متى ستتصرّفين بنضج ؟
تذكّرت مواقف سابقة للين .. سألتها بهدوء :
ء ماذا عندك؟ قولي .
ء هل ستنفقين الأموال بشراء مطعم مهجور ؟
تململت هند . قالت :
ء أنا الآن لا أستوعب ما تقولين. لكن المطعم ليس مهجوراً تماماً .
ء كيف ؟ عمي وأبي يفهمان المصلحة أكثر منك .
ء وماذا قالا ؟
ء سنخسر المال حتماً .
ء من قال هذا ؟
ء أبي وعمي .. المنطقة فقيرة والحركة قليلة هناك .
ء هل عمك وأبوك قالا هذا ؟
ء ما بك يا أمي ؟
ء أنا تعبة يا لين. سأنام الآن .. نتحدّث ثانية في الموضوع .
وضعت السماعة . شعرت برغبة في البكاء . ما الذي ينتظرها أيضاً ؟ تذكّرت أياماً مضت . كان جورج يعرف مكانة لين عندها، وعن طريقها يحقق غاياته . استعادت حديثها . تذكّرت ما قالته ليلى ذات مرة . إذا أردت القيام بعمل ما . استمعي إلى نصيحة لين، التي استقتها من عمها، وافعلي عكس ما قالت .
في غمرة الأسى الذي أصابها لم تستطع سوى الابتسام .
لم تنفع أدوية الطبيب في معالجة شيبا، التي وقعت في النسيان، بل ازدادت سوأً، ولم ينصح لها بتغيير العلاج. فتبدو حزينة إن مشت أو تحرّكت. كانت القطة تاشا تراقبها في كل خطوة، فقد تعوّدت على اللعب معها. ومع صغر حجمها. كانت تهاجمها، فتلوي شيبا ذيلها وتبتعد، وحين تتجرّأ تهددها بأن ترفع قدمها وتهبط بها أمامها على الأرض .
خرجت شيبا من البيت وغابت . هبّت هند للبحث عنها، في المنطقة وأبعد من المنطقة، ثم في شوارع المدينة، والحدائق، وحين لم تجدها، وكعادتها في المواقف الصعبة . انهمرت بالبكاء، معدّدة خصال شيبا، ومزاياها . تصف مرضها قبل سنوات، وكيف لم تستجب إلا لأدوية لها علاقة بأدوية البشر، وكان الطبيب مستغرباً، بعد أن يئس من علاجها .
جاء المساء ولم تعد شيبا . كان الطبيب قد شرح لهند تفاصيل مرضها، بدأً من مرحلة النسيان الذي أصاب ذاكرتها والذي يشبه حالات من انفصام، وانتهاء بمرض لا شفاء منه وهو مايطلقون عليه داء أديسون .
أجّلت هند أعمالها، فصورة شيبا في عينيها، مذ رافقتها ذلك اليوم . لم يكن سهلاً أن تنسى، وأن تتجاهل غيابها، فهي صديقة ورفيقة . كانت تفرح إن فرحت، وتحزن إن حزنت، وكم من مرّة شبّهتها بالبشر، والطبيب أيضاً شبّهها بالبشر، وكل من رآها تركت عنده الدهشة، والاستغراب .
لكنها لم تعد، وفي لحظات اليأس. اندفعت هند للطرقات ثانية. تقف وتسأل العابرين. إنها شيبا، مريضة بالنسيان. تفهم كالإنسان. من رآها ؟ ضعيفة وهزيلة، وطيبة ! وعرفت حين اقترب الليل أنها قد تاهت إلى مكان ما .
حين خطرت لها الفكرة. كانت تهرول نحو مقر التلفاز، وهناك عبر الشاشة الصغيرة، ظهرت هند والدمعة في عينيها. ظهرت ذلك المساء أكثر من مرة، وهي تصف شيبا المريضة، ومرضها، وتناشد من يعثر عليها الاتصال بها، أو بالتلفاز لأنها تستحق الرعاية، فهي في أزمة صحية تستوجب اهتماماً خاصاً ورعاية خاصة .
ما حدث تلك الليلة . أن وسائل الإعلام راحت تبحث عن لقاء مطوّل مع هند، للاستفسار عن مرض شيبا، وعن تطورات داء أديسون عند الحيوان، هذا الداء الذي أصاب أحد رؤساء أمريكا السابقين . تسابق الصحفيون إليها . كل يحاول الحصول على سبق صحفي، أعراض المرض وخطواته، ويعقدون المقارنة بين مرض شيبا، ومرض الرئيس الراحل، وفي هذا الجو المشحون ظهرت شيبا .
تفرّغت هند ثانية لهمومها. كان هانك وليندا خلال ذلك يتابعان الإجراأت، ويقدمان النصيحة. تشجّعت هند، وخلال أيام قليلة، تمّت عمليتا التنازل عن المطعم الأول، والارتباط بالثاني.
لم تكن الأمور صعبة كما تصوّرت، ولم تكن ليلى مخطئة وهي تمتحن الأصدقاء، الذين التفوا حولها وأحاطوا بها كان الجميع يتبارون لتقديم العون، وبدأ العمل في البيت الصغير للسكن، وأخذ العمل صفة الجدّية، وتبلورت معالم المكان، وقدم كثيرون المساعدة . كانت هند وجلة أمام دين جميل ومختلف، إلى جانب ما تراكم عليها من ديون حقيقية، ابتداء من الأقساط المترتبة في لاس فيغاس، لكنها وببساطة استسلمت للآتي وما سيحمله من مفاجآت .
ماتت القطة تاشا خلال عملية النقل إلى البيت. كان أول ما ورد إلى ذهن هند، تلك الأرستقراطية التي عاشتها تاشا خلال عمرها، حين تمشي أو تأكل أو تلاعب شيبا. بكتها وهي تفكر بأنها ماتت كما تموت أكثر القطط بين عجلات السيّارات .
كانت المفاجأة كبيرة، وقد تلازم موت القطة تاشا مع موت شيبا. تضاعف حزن هند، فنعت الاثنتين بحرقة، ولم ينتشلها من مشاعر الفقدان سوى هاتف لين. تطالبها بالإسراع لاستقبال الحفيدة التي ستطل على حياتها، وتلون لها الأيام . وابتدأت حياة هند من جديد .