تهرب وقلبها معه. كان يدرك أكثر من هذا، ويدرك أيضاً أنها تنشد له الراحة والاستقرار. لكنها طالبته بالكثير. ساومته على عمر مضى، على سنوات طويلة محفورة في عقله وقلبه، في جسده وشرايينه. سنوات تأصّلت به، أصبح منها وهي منه. ليس سهلاً أن يترك عاداته. إنه يتحرّك ودون أن يدري. ينساق كما في كل مرّة. تذكّره الساعة. يذكّره الأصدقاء. كل شيء يحثّه، وحين يحل الموعد ينساق إلى هناك. يجد نفسه في تلك الصالات. كثيرون يهرولون إلى هناك. يراهنون على الأحصنة، أو ينشدون المقامرة، وفي كل مرّة يأتيه الشعور السابق. سيستعيد كل ما خسره خلال السنوات دفعة واحدة، ثم يغادرهم إلى غير رجعة. لقد أطعم تلك الصالات تعبه وعرقه طويلاً، ورزح تحت الديون. كل صالات أمريكا تدعوه إليها مجّاناً. بطاقة السفر ومصاريف الإقامة. يكفيها أن يلبّي الدعوة. يجب أن يتشجّع، يتجرّأ، فهي أيضاً ستمدّه بالمال كما مدّته دائماً، وغرق في الديون، وما زال يهرول إلى هناك. يحمل أمل أرباح قادمة تعوض له ما فات .
اقتربت هند منه. تمتمت :
ء كانت رائعة .. تحمّلتنا كثيراً .
ء من تقصدين ؟
ء جمانا .. عاشت معي ظروف الطلاق خطوة خطوة .
ء أعرف هذا .
ء ماذا قلت ؟
ء بماذا ؟
ء هل ستلبي رغبتها ؟
ء لا أدري .
عانق لين وفالن مودّعاً. أخذ آنا بيدها وخرج . كان يراقب الساعة. حسب الوقت ما بين بيت آنا والعودة. أسرع. لن يفوته الوقت على رهان الأحصنة. بدا منشرحاً وقد نسي جمانا.
تحدّث في الطريق مع آنا. سألها عن علاقتها بأخيها من أمها والذي يكبرها قليلاً. سألها عن أمها. بدا مطمئناً. وعدها بتمضية عطلة الأسبوع في مدينة الألعاب، والتي تبعد مسافة ساعتين عن توليدو. بدت مبتهجة. عانقته وهي تهبط من السيارة. راقبها وهي تدخل من الباب. أرسلت قبلاتها. ابتسم وهو يغادر إلى غايته. تميّزت ليلى بقوة الإرادة، وصلابتها أمام المواقف الصعبة، فبعد طلاقها من كارل زوجها السابق بسبب الإدمان، قرّرت عدم الزواج. أصبح الزواج بعينيها صفقة يربح فيها الرجل على الدوام، وتصبح المرأة تابعاً تتسقّط أموره وأحلامه وهمومه، ولكي تحيا بكرامتها وتثبت جدارة في الحياة، عليها شقّ الطريق بنفسها دون الاعتماد على الرجل، الذي سيتحوّل بعد الزواج إلى مرشد، وأكثر منها ذكاء وقوة .
هذا ما تعلّمته من الزواج الذي لم يتكرّر، أما صديقها ديف الذي ارتبطت معه بعلاقة عمرها عشر سنوات، ما زال يحثّها على الزواج، لكنها ترفض بإصرار، وتلغي كل حديث حول ما له علاقة بالفكرة .
امتلكت ليلى مطعماً أيضاً، ولم تنس في يوم ماضيها قبل ذلك. كانت تعمل في المطابخ. تنظّف الأرض والأواني . تساعد صاحبة المطعم. تجهد. تتعب. لم تقف دون عمل، وتعلّق على المتسكعين بمزاح لا يخلو من لوم. أما أهل المنطقة فقد أحبوها لصدقها واستقامتها في العمل. كانت المنطقة مميّزة بشارعها العريض الهادئ، والمتفرّع عبر طرقات معبّدة، بين الأشجار الجميلة، حيث البيوت السكنية، هذا الشارع الذي على السيارات التي تعبره السير ببطء. كان الأهالي هادئين بطباعهم. يحلمون بالهدوء والراحة. يتعارفون ببساطة، وحين يجتمعون يصبحون كأسرة. وأحياناً يشاركون ليلى في همومهم أو مشاكلهم، فلا تبخل بحديث أو نصيحة ، وحين يستولي عليها الملل ترمي أمامهم رغبتها بالرحيل عن المنطقة .
يتعالى أكثر من صوت. خاصة العجوز (بابوف) فمن المستحيل أن ترحل، فهو لا يريد بديلاً منها . تضحك وهو يقدم لها الحلوى، لكنها تؤكد أنها ستبحث عن مكان له مواصفات أفضل، في منطقة أجمل. فيعلو أكثر من صوت. سنلحق بك حتماً.
كانت تدرك أن أحداً لن يلحق بها، فقد تعوّد سكان هذه المنطقة على الانعزال عن بقية المناطق في توليدو، فبعد أن يعودوا من العمل لا يفارقون المنطقة. كانوا جميلين بعاداتهم، ومع هذا كانت ليلى تحلم بالأفضل والأهم .
هكذا علّمها هذا البلد . بينما تراقبنها العاملات بإعجاب . كيف أصبحت تمتلك مطعماً؟ تهمس ليلى. بالتصميم والإرادة وحسن الإدراك . لا شيء يأتي بالتمنيات. سألتها إحدى العاملات وكان اسمها شيري، بينما ساندي تنظر إليهما ساهمة :
ء لكن . كيف ؟
ء رأس المال يا عزيزتي !
ء وكيف يأتي ؟
ء حين تعملين بنشاط، وتفهمين أن ما تقبضينه هو ثمن أتعابك، وتكفّين عن هدره بالخمرة، أو الرهان، سيكون لديك ذات يوم رأس مال حتماً، ويتكفّل المصرف بالمساعدة .
ء هذا صعب جداً. أنا أرضى بالقليل. أعمل لأصرف . والمستقبل مضمون بالتقاعد كما تعلمين .
ء لذلك. أنت تعملين يوماً، وتنفقين أجرك على يوم آخر، وتنامين بعد ذلك يومين آخرين .
ء هذا صحيح ، ويعجبني .
ضحكت ساندي التي كانت معجبة بليلى، غير أن لها طريقتها في الحياة، فزواجها من زاهي هو فرصتها الذهبية التي أتت من دون تعب . تمّت المقايضة بينهما ببساطة. تمنحه الجنسية الأمريكية، ويمنحها المعيشة اليومية مدة عامين دون انقطاع. كان عليهما العيش معاَ. لكنّهما قسّما البيت، لكل غرفته، وله حرية التصرف الخاص. تتحدّث عنه فتقول. إنه جميل الشكل، يحمل ملامح الشرق، صارم وحاد. يعجبها ولا يهتم بها، ولا تبالي لذلك، فما تريده تحصل عليه، الراتب المتّفق عليه، والحرية التي لا تساوم عليها . لم يكن زاهي حاداً أو صارماً، لكنه أراد أن تبقى العلاقة بحدود الجدّية، فهي امرأة مأجورة لغاية ما. وكان باستطاعته أيضاً اختيار الفتيات الأخريات للتسلية، وخارج إطار الزوجية، غير أنه صمّم على الدراسة، فكان يعمل ليساعد نفسه، ونصب عينيه النجاح .
اقتربت هند منه. تمتمت :
ء كانت رائعة .. تحمّلتنا كثيراً .
ء من تقصدين ؟
ء جمانا .. عاشت معي ظروف الطلاق خطوة خطوة .
ء أعرف هذا .
ء ماذا قلت ؟
ء بماذا ؟
ء هل ستلبي رغبتها ؟
ء لا أدري .
عانق لين وفالن مودّعاً. أخذ آنا بيدها وخرج . كان يراقب الساعة. حسب الوقت ما بين بيت آنا والعودة. أسرع. لن يفوته الوقت على رهان الأحصنة. بدا منشرحاً وقد نسي جمانا.
تحدّث في الطريق مع آنا. سألها عن علاقتها بأخيها من أمها والذي يكبرها قليلاً. سألها عن أمها. بدا مطمئناً. وعدها بتمضية عطلة الأسبوع في مدينة الألعاب، والتي تبعد مسافة ساعتين عن توليدو. بدت مبتهجة. عانقته وهي تهبط من السيارة. راقبها وهي تدخل من الباب. أرسلت قبلاتها. ابتسم وهو يغادر إلى غايته. تميّزت ليلى بقوة الإرادة، وصلابتها أمام المواقف الصعبة، فبعد طلاقها من كارل زوجها السابق بسبب الإدمان، قرّرت عدم الزواج. أصبح الزواج بعينيها صفقة يربح فيها الرجل على الدوام، وتصبح المرأة تابعاً تتسقّط أموره وأحلامه وهمومه، ولكي تحيا بكرامتها وتثبت جدارة في الحياة، عليها شقّ الطريق بنفسها دون الاعتماد على الرجل، الذي سيتحوّل بعد الزواج إلى مرشد، وأكثر منها ذكاء وقوة .
هذا ما تعلّمته من الزواج الذي لم يتكرّر، أما صديقها ديف الذي ارتبطت معه بعلاقة عمرها عشر سنوات، ما زال يحثّها على الزواج، لكنها ترفض بإصرار، وتلغي كل حديث حول ما له علاقة بالفكرة .
امتلكت ليلى مطعماً أيضاً، ولم تنس في يوم ماضيها قبل ذلك. كانت تعمل في المطابخ. تنظّف الأرض والأواني . تساعد صاحبة المطعم. تجهد. تتعب. لم تقف دون عمل، وتعلّق على المتسكعين بمزاح لا يخلو من لوم. أما أهل المنطقة فقد أحبوها لصدقها واستقامتها في العمل. كانت المنطقة مميّزة بشارعها العريض الهادئ، والمتفرّع عبر طرقات معبّدة، بين الأشجار الجميلة، حيث البيوت السكنية، هذا الشارع الذي على السيارات التي تعبره السير ببطء. كان الأهالي هادئين بطباعهم. يحلمون بالهدوء والراحة. يتعارفون ببساطة، وحين يجتمعون يصبحون كأسرة. وأحياناً يشاركون ليلى في همومهم أو مشاكلهم، فلا تبخل بحديث أو نصيحة ، وحين يستولي عليها الملل ترمي أمامهم رغبتها بالرحيل عن المنطقة .
يتعالى أكثر من صوت. خاصة العجوز (بابوف) فمن المستحيل أن ترحل، فهو لا يريد بديلاً منها . تضحك وهو يقدم لها الحلوى، لكنها تؤكد أنها ستبحث عن مكان له مواصفات أفضل، في منطقة أجمل. فيعلو أكثر من صوت. سنلحق بك حتماً.
كانت تدرك أن أحداً لن يلحق بها، فقد تعوّد سكان هذه المنطقة على الانعزال عن بقية المناطق في توليدو، فبعد أن يعودوا من العمل لا يفارقون المنطقة. كانوا جميلين بعاداتهم، ومع هذا كانت ليلى تحلم بالأفضل والأهم .
هكذا علّمها هذا البلد . بينما تراقبنها العاملات بإعجاب . كيف أصبحت تمتلك مطعماً؟ تهمس ليلى. بالتصميم والإرادة وحسن الإدراك . لا شيء يأتي بالتمنيات. سألتها إحدى العاملات وكان اسمها شيري، بينما ساندي تنظر إليهما ساهمة :
ء لكن . كيف ؟
ء رأس المال يا عزيزتي !
ء وكيف يأتي ؟
ء حين تعملين بنشاط، وتفهمين أن ما تقبضينه هو ثمن أتعابك، وتكفّين عن هدره بالخمرة، أو الرهان، سيكون لديك ذات يوم رأس مال حتماً، ويتكفّل المصرف بالمساعدة .
ء هذا صعب جداً. أنا أرضى بالقليل. أعمل لأصرف . والمستقبل مضمون بالتقاعد كما تعلمين .
ء لذلك. أنت تعملين يوماً، وتنفقين أجرك على يوم آخر، وتنامين بعد ذلك يومين آخرين .
ء هذا صحيح ، ويعجبني .
ضحكت ساندي التي كانت معجبة بليلى، غير أن لها طريقتها في الحياة، فزواجها من زاهي هو فرصتها الذهبية التي أتت من دون تعب . تمّت المقايضة بينهما ببساطة. تمنحه الجنسية الأمريكية، ويمنحها المعيشة اليومية مدة عامين دون انقطاع. كان عليهما العيش معاَ. لكنّهما قسّما البيت، لكل غرفته، وله حرية التصرف الخاص. تتحدّث عنه فتقول. إنه جميل الشكل، يحمل ملامح الشرق، صارم وحاد. يعجبها ولا يهتم بها، ولا تبالي لذلك، فما تريده تحصل عليه، الراتب المتّفق عليه، والحرية التي لا تساوم عليها . لم يكن زاهي حاداً أو صارماً، لكنه أراد أن تبقى العلاقة بحدود الجدّية، فهي امرأة مأجورة لغاية ما. وكان باستطاعته أيضاً اختيار الفتيات الأخريات للتسلية، وخارج إطار الزوجية، غير أنه صمّم على الدراسة، فكان يعمل ليساعد نفسه، ونصب عينيه النجاح .