roubaii.mohammed

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
roubaii.mohammed

ان المنتدى سيكون مميزن وميكون رهنا اشارت الجميعة. roubaii.mohammed


    أول حـب… آخر حـب 5

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 128
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 33
    الموقع : roub.yoo7.com

    أول حـب… آخر حـب 5 Empty أول حـب… آخر حـب 5

    مُساهمة  Admin السبت أغسطس 29, 2009 7:22 am

    يعتقد من يراه للوهلة الأولى ببلادته، ربما لهدوئه، أو لجسده اللامتناسق. من يراه ماشياً لا يصدّق أنه يجري ساعات دون تعب أو ملل. له تقاطيع دقيقة، وأصابع دقيقة. يبدو لمن لا يعرفه أنه يمت لإحدى قبائل الهنود الحمر، بلون بشرته ونظرة عينيه.‏

    كان وحيداً دائماً، عدا هانك صديقه الوحيد، وهند التي تعرّفت عليه أول مرّة في مزاد، خصّص ريعه للمعاقين، كان التعاطف على أشدّه، فالشعب الأمريكي يتبع انفعالاته، ويهوى تقديم المساعدات، خاصّة إن وجدت الدعاية الكافية لها، فيهرع بصدق وقناعة شديدين. ذلك اليوم كان بيل ينافسها في رفع قيمة المبلغ، وكانت تحتد كلما تضخمّ المبلغ، وحين انتهت المنافسة، كانت لصالحه. لم تكن حزينة للنتيجة، غير أنه جلب لها البهجة وهو يقدّم لها الهدية الرمزية التي تلقّاها، وكانت أول معرفتها به التي استمرت سنوات.‏

    يبدو محباً بابتسامته الهادئة. ومتفرّغاً لجلسة قصيرة. يأتي إلى المطعم. يختار مقعداً بعيداً عن الصخب. كان يتعامل مع ميري بسخاء، ويتحدّث عن حاجتها الماسّة لما تعيل بهم أبناءها الصغار، وكانت تهتم به بطريقة لافتة، فهو يحترمها، ويقدّر جهودها، وفي أحيان كثيرة تستقبله بعناق أقرب للتحبّب، فيشعر بالانتشاء، وتطفو مسحة خجل فوق وجهه.‏

    تزوجت هند من ابن عمّتها جاد الصغير وهي في السادسة عشرة من عمرها . حملها من بلدها إلى مسقط رأسه في توليدو. كان رجلاً مزواجاً، له عشيقات يشغلنه باستمرار. أذاقها ألوان العذاب كما حدث مع زوجته الأولى أم ابنته كاتي، أنجبت هند أيضاً ابنة سمّتها لين، وكانت في السابعة من العمر حين طلّق والداها. أما ابن العمة الأكبر جورج فكان لها ولابنتها المعين والملجأ، وكان أرملاً ووحيداً. أحاطهما بالرعاية والاهتمام، ومرّت السنوات ليعلنا نبأ الارتباط، ويتزوّجا.‏

    ذاقت على يدي جورج عذاباً آخر مختلفاً. كان ظنوناً، باستطاعته رمي الاتهامات كيفما شاء، وأرجع الطبيب ذلك لحالة تصيب بعض الرجال في هذا العمر، خاصة حين يكبر الزوجة بعشرين عاماً أو أكثر .‏

    تبدّل جورج. تلوّنت قمصانه. صبغ شعره. أكثر من ممارسة الرياضة. له قامة منتصبة، وجسد متناسق. يعرف كيف يتحرّك أو يمشي. ظهرت في حياته امرأة كورية الأصل، هذه المرأة كرهت هنداً، وأتاها اعتقاد أنها المنافسة لها، أما ليلى فقد أقسمت أن جورج قد أوحى للكورية بذلك لأسباب خاصّة به.‏

    لم يبتعد أبناء العمة عن هند خلال فترة الطلاق. يتناقشون أمامها بتطوّرات الأحداث، فتثور ليلى. تذكّرها بالماضي، بطلاقها الأول، بآلامها، بأحزانها. تصمت، فليلى على حق، فأبناء العمة حرقوا عمرها. اتنزفوا صحّتها وأعصابها، إنهم متعاضدون. متكاتفون، لكنها لا تدري لماذا تغفر لهم، فهي لم تكرههم في يوم، تبرّر لهم. هم أهلها وأسرتها مذ وطئت قدماها هذه الأرض. تعوّدت أخطاءهم وكيف تتعامل معها. أما جاد الصغير زوجها الأول، فكان يبدي أسفه في كل مناسبة لما سببه لها من آلام، ويتطوّع في أحيان كثيرة لخدمتها، فتضحك. كان يحتاج لمن يخدمه، فقد تدهورت صحته. هزل جسده وابيض شعره، وغارت عيناه، ثم تساقطت أسنانه، وأهم من كل ذلك فقد ضعفت قبضة يده المشهورة بقبضة الموت. فيبدو أكبر من أخيه الأكبر بسنوات، فتسانده هند بكل ما تستطيع، ولضيق يده تهرع تلبي المعونة التي هي في أكثر الأحيان ما يساعده على مصاريف الحياة، خاصة وهو ينتقل من فتاة معدمة إلى أخرى، بعد أن تركته روزا صفر اليدين .‏

    هزمت هند في الزواج مرتين، غير أن شعورها بالخسارة كان أقسى في الزواج الثاني، وكان هو في حالة من السعادة والوئام مع المرأة الكورية، التي لم تستسغ وجود هند قريبة من حياتها .‏

    أما ابن العمة الأصغر الذي ماتت زوجته انتحاراً، فما زال يحتفظ بالصحة والنشاط، وما زال قميصه ملوّثاً ببقع الدهون والعسل. يفتخر بحبه لأمريكا، وبقبعته. يتحدّث عن صالات القمار بعشق. يضحك وهو يهتز بأجمعه. كانت دكسي زوجة صديقه فعشقته، ثم طلّقت زوجها الذي تعيش معه تحت سقف واحد بعد الطلاق من أجل التوفير. يتقاسمان إيجار البيت، ومصاريف الماء والكهرباء، وفواتير الهاتف. زوجها يعرف بعلاقتهما. حافظ على صداقته معه فترة من الزمن، ثم تخاصما، لا لأسباب تتعلق بتلك العلاقة، بل لأسباب أخرى، وتصالحا ثانية. أما دكسي التي تعمل مضيفة للطيران برتبة جيدة، فتنام في بلد وتستيقظ في بلد، وتحط الرحال أخيراً في بيت طليقها، وتحلم بالعودة إلى أحضان الأصغر الذي يعد الأيام لمجيئها، فهو يحبها كثيراً.‏

    لأبناء العمة الثلاثة حظوة عند لين، فهي مولعة بأبيها وعمّيها كولعها بأمها. تلك العلاقة التي عرف جورج استغلالها، فشغل لين بكرمه الخاص معها أولاً، ثم بنقل الأسرار التي يطّلع عليها بذكائه، خاصة وهو في حالة من الظنون، فيسكب في آذان لين التي لا تعرف الكذب، ما شاء له من تصوّرات. أما لماذا ؟ فذاك ما احتفظ به ليبقى سرّاً من أسراره العظيمة كما يقول. أما في بقية الحالات، كانت الأخبار الهامة وغير الهامة، تأتي في سياق الحديث على لسان لين، ما قاله جورج، وما سيفعله، أو ما سيجدّ في حياة كل فرد في أسرتها التي تحبها بجنون .‏

    قرّرت لين العودة إلى لاس فيغاس . لقد انتهت فترة الاستجمام التي حلمت بها. أتى الخبر مفاجئاً لهند، فلم تتفوّه بكلمة، فالزوج ينتظر بفارغ الصبر .‏

    حضرت ليلى وجورجي مع ابنته آنا لوداعها. كان الطقس جميلاً. مرّ الوقت في الحديقة، حيث قضوا النهار في الدفء. كان الغداء لحماً مشوياً، وكان كل منهم يعمل، ولم يغب عن فالن المساعدة، فتروح وتجيء وتجلب البهجة إلى الجميع .‏

    لحق بهم (ديف) صديق ليلى. بدا الجميع في انسجام، عدا جورجي المنشغل بغياب جمانا. اقتربت منه هند سألته :‏

    ء أتحبها ؟‏

    لم يجب . قالت :‏

    ء أنا أحبها جداً. إنها أفضل زوجة أخ .‏

    ء زوجة أخ ؟ أنت تحلمين .‏

    ء لم لا ؟ قرّر .. تتزوّجا ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‏

    ء القرار لها .. أنت تسخرين مني .‏

    كانت آنا خلال ذلك تراقب أباها. لم يكن ليعتقد بأن الطفلة ذات السنوات العشر تعي ما يحدث. اقتربت منه. سألته :‏

    ء هل ستتزوّج جمانا ؟‏

    ء لم تسألين ؟‏

    ء لأن أمي لن تتزوّج .‏

    ء حقاً؟‏

    هزّت رأسها. سألها :‏

    ء هل تحبين جمانا ؟‏

    ء أحبها .. لكن .. لماذا رحلت إلى فلوريدا ؟‍‏

    ء لا أدري يا لين .‏

    كان جورجي أكثر من يعرف لماذا رحلت، وهي التي أقامت عند هند سنوات ثلاثاً. عملت معها في المطعم. طبخت الأكل العربي بأصنافه. أعادت له ذكرى أمه وطفولته، ووطنه. أحبها كثيراً. وجد في عينيها أمله الذي ضاع أكثر من عشرين عاماً. كانت له الحلم. الماضي والحاضر، والمقبل، وكان يتلمس الحب في عينيها، في لمسة يديها، في حركتها ولهفتها. غير أنها تعرف الهروب في لحظة ما.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 3:29 am