roubaii.mohammed

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
roubaii.mohammed

ان المنتدى سيكون مميزن وميكون رهنا اشارت الجميعة. roubaii.mohammed


    أول حـب… آخر حـب 20

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 128
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 33
    الموقع : roub.yoo7.com

    أول حـب… آخر حـب 20 Empty أول حـب… آخر حـب 20

    مُساهمة  Admin السبت أغسطس 29, 2009 6:08 pm

    أقسمت تينا ثانية أن لا صحة لتلك القصّة . كانت هند مندهشة، لا لأن تينا بعيدة عن الشبهات، فكل معرّض في هذا البلد لإقامة العلاقات، إن كان بدافع العاطفة أو الجنس، أو التسلية، أما تينا الذكية والتي عاشت حياتها قبل الزواج، وحوّلتها هذه الحياة ء كما تقول في كل مناسبة ء إلى امرأة متخمة، فتشغلها أسرتها، وزوجها الذي يحبها كثيراً، فكان من الصعب في البداية تصديق ذلك. غير أن الزوج الذي أكثر من المجئ، وهزل بعض الشيء، أقسم لهند أكثر من مرة، فهو يعرف طباع زوجته، ويحفظ ردود فعلها وأحاسيسها، فهي على علاقة بالرجل المسن، ولا يدري ما الذي يعجبها به، ويشحب من جديد.‏

    ردّ على الهاتف وقال ببساطة :‏

    ء أهلاً هند . أرجو أن لا تتفاجئي .. أعرف صوتك أيضاً.‏

    أخفت ارتباكها بضحكة، وقالت جادّة :‏

    ء ها أنت تعرف اسمي! واسمك .. ما هو؟‏

    ء اسمي خالد ..‏

    لم تشأ التعليق على اسمه الذي رأته جميلاً. قالت :‏

    ء حسناً! ماذا باستطاعتي تقديمه لك؟‏

    ء الكثير !‏

    ء ماذا تقصد؟ أو مثل ماذا؟‏

    ء ستعرفين حين نلتقي!‏

    ء نلتقي؟‏

    ء ما رأيك في الجالية العربية؟‏

    أحست بدوار. تمتمت :‏

    ء جميل هذا .‏

    واتفقا على الموعد.‏

    منذ عام لم ترتد ذلك المقر. أخذتها الهموم والمسؤوليات. كانت تلتقي هناك بالأصدقاء. الدكتور حسّان، وماجد، وسامي، وبعض الصديقات العربيات الأصل، وكانت ترى في المناسبات بعض الصحفيين الأمريكان، ووجوهاً أمريكية، ومستشرقين. يلتقون هناك. يطرحون هموم العرب وقضاياهم، وكم نظّمت الحفلات الخاصة بالجالية العربية، وكم ساهمت هند بمشاريع إنسانية، كان أهمها ما يعود ريعه للمعاقين، أو ذوي الحاجة، وكم نظّمت الحفلات الخاصة بالجالية، وكم غنّوا ورقصوا (الدبكة) وأكلوا ما صنعته أياديهم من المأكولات العربية. هنالك التقت بالكثيرين، فقد تميّزت توليدو بكثرة العرب المغتربين، وهم يلاحقون أخبار بعضهم بعضاً، أما هو؟‏

    تقلّبت هند ذلك النهار كثيراً، فتركن هادئة. ساهمة، أو تنهض وعلى فمها أغنية. تعانق العاملات أو تلقي عليهن السلام. كان هانك يبتسم وهو يدخل المطبخ، أو يخرج وبيده شيء ما. يهزّ رأسه وهو يتمتم بكلمات عن حالة تصيب هنداً في بعض الأوقات. تكون سعيدة ومتأسية في وقت واحد، فتبدو وكأن الهم يترصّد كل حركة أو نأمة تصدر عنها، وتنتقل فجأة إلى حالة من البهجة، فتغني. كان هانك والعاملات يضحكون. أما تينا التي حفظت بعض الكلمات والألحان العربية، فكانت تردّد بعضها. غير أن الجميع علّقوا بأن اللغة العربية صعبة النطق، وأخذوا يتبارون بلفظ الأحرف. الضاد. العين القاف، فتزداد هند ثقة بلغتها .‏

    كانت هند ذلك النهار منسجمة مع ذاتها أكثر من أي يوم مضى. كان الصباح في أوله. استعادت الكلمات. أصرّت على كلمتي الجالية العربية. بدا خالد رجلاً مختلفاً. لا يشبه الرجال من حولها. يشبه رجال بلدها، أو رجلاً في الذاكرة، رجلاً لا يعرف الموت، لا يعرف الانتهاء. يتجدّد. يحملها ويطير، حيث تعود طفلة. تركض في الحقول. تشم خبز التنور. تراقب البيدر والعصافير، وحين تتعب. تجلس تحت شجرة التين المزروعة في أرض جدّها. سترتاح هناك طويلاً.‏

    في أجواء الوطن ومناخاته تحلو الحياة. تحلو الذكريات. منذ زمن لم تعش هذه المشاعر. لماذا نسيت أجمل ما في حياتها ؟ أجمل أيام عمرها ؟ لماذا تتذكّر الآن؟ هل هو خالد؟ ما الذي يخبئه لها القدر؟ ومن هو خالد؟ وماذا يريد؟ وهل أخطأت بالاستجابة لرغبته؟ هل أخطأت بإعطائه موعداً ؟ لم تكن تلك اللحظات تفكر بالإجابات على الأسئلة المتلاحقة. كان كل شيء جميلاً. تحوّلت توليدو إلى قطعة تغفو عند شاطئ اللاذقية الحبيبة. يغمرها الموج تارة، والنسمات، والدفء والحب.‏

    شعرت بأنها لم تنم، وكان الصباح يقترب. إنه بحاجة لها. هذا ما أكّد عليه. كيف سيلتقيان؟ ما الذي سيقوله؟ وما الذي ستقول؟ أولاً ستلقي السلام. سيرحّب بها. إنه بحاجة إليها. إلى خدماتها. لكن ماذا يريد؟ وحين لم تتوصّل إلى جواب. راحت تخلق الأحاديث والحوارات، وحين أخذ بيدها ونظر بعينيها، خافت. هربت. لكنها سعيدة بكل ما سيحدث. سيكون لها صديقها الخاص. صديق يسألها. يهتم بها. توقفت فجأة عن التفكير. إنه يعرفها. كيف ومتى حدث ذلك؟ لكن من هو؟ من أين جاء؟ في كل الأحوال، شعرت بأنها ستحب كل ما ينتمي إليه، وكل ما سيقول، وقبل أن تغفو كانت تعد الأيام المتبقية لذاك اللقاء .‏ لاحظت الخالة كآبة جمانا، وكانت تراقبها من طرف خفي، وحين اعتكفت في غرفتها لحقت بها. آثرت جمانا الصمت خلال حديث الخالة الطويل .‏

    تجاوزت خالة جمانا الثمانين من العمر، فبدت بوجهها المتهدّل أكثر حكمة. أفرغت عبر حديث طويل مع ابنة الأخت مزيداً من النصائح، انصب أكثرها على زواجها من جورجي، ولم تفتها الإشارة إلى احترام آرائها، فهي ناضجة التفكير. لها تجربتها في الحياة، وباستطاعتها اختيار الزوج والطريق الصحيح لحياتها .‏

    لم ينم عن جمانا حرف في البداية، واستمعت إلى الخالة بهدوء. إلى أن طيّبت خاطرها قائلة :‏

    ء سأتزوج منه يا خالة .. لكن ليس الآن .‏

    ء متى إذن؟ لستما صغيرين. هو يقترب من الخمسين، وأنت من الأربعين !‏

    ضحكت جمانا كثيراً ثم قالت :‏

    ء ذلك يتوقّف على جورجي !‏

    ء ما أعرفه. إنه يريد الزواج وكفى .‏

    ء أعرف هذا .‏

    ء أين المشكلة إذن ؟‏

    ء المشكلة في شخصيته .‏

    ء لم أفهم ؟‏

    كانت الخالة معجبة بجورجي وتراه أفضل الرجال، وكانت جمانا تراه يعيش الازدواجية باستمرار. قالت :‏

    ء إنه أمريكي. بعقل عربي. حين يصبح واحداً سأتزوج منه .‏

    ء هل تريدينه أمريكياً؟‏

    ضحكت جمانا قالت :‏

    ء لا تهزئي يا خالة. أنا أريده رجلاً.‏

    كانت أخباره تأتيها تباعاً، وكان آخرها أسوأ ما سمعته. لم تستطع تفسير تصرفاته، وانغماسه الكبير بالمقامرة. أرقت كثيراً، وتوصّلت إلى أن ذلك يعود إلى شعوره، بمدى الخسارة التي سبّبتها تلك الحادثة، فالشرط الهام للزواج هو مغادرة تلك الصالات، وباقترابه منها تبتعد هي عنه. إنه يعاقب نفسه، أو يعترف بالخطأ الذي ارتكبه في حقّها. لم تكن مذنبة تلك الليلة، وهو مدرك هذا، لكن معالجته للموقف كشفت لها أموراً هامة في حياته. أما بينها وبين نفسها فكانت مدركة أنها غفرت له منذ اللحظة الأولى، وأرجعت ذلك لما يكنه لها من حب، وكأنه سيحملها ويطير إلى عالم آخر بعيد عن العيون .‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 3:29 am