roubaii.mohammed

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
roubaii.mohammed

ان المنتدى سيكون مميزن وميكون رهنا اشارت الجميعة. roubaii.mohammed


    أول حـب… آخر حـب

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 128
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 33
    الموقع : roub.yoo7.com

    أول حـب… آخر حـب Empty أول حـب… آخر حـب

    مُساهمة  Admin السبت أغسطس 29, 2009 6:06 pm

    حين أتى جورج للمرة الأولى بعد الطلاق، كان ذلك لرغبة من لين، فعطل أصاب جهاز التسجيل الذي أهداه لها ذات يوم. فوجئت هند به، وحيته ببساطة، ولم تستغن عن خدماته بعد ذلك، فهو المنقذ أمام أي عطل يصيب آلات الكهرباء أو التمديدات. لم تكن ليلى أو جورجي راضيين عن ذلك. لكنهما وفي أعماقهما يدركان مدى تأثير لين التي تحبها هند كأكثر ما تفعل في حياتها.‏

    اجتمع أبناء العمة عند هند، لاستقبال لين وبيرت والصغيرة فالن، ومن يرافقهم من أسرة بيرت. دارت الأحاديث حول رضاء لين الأخير بعقد القران الكنسي. كان الأصغر يعلّق أولاً على سلوك بيرت الذي لن يتغير، فهو في أكثر بلاد العالم حرية، يسمح له عمله بمخالطة أكثر الفتيات جمالاً. لو أنه مكانه لما تزوّج أبداً. كل يوم مع امرأة، ثم علق على فكرة الزواج ، فهو المحامي الذي اطلع عشرات السنين على قضايا البلد بحكم موقعه كمحام للمقاطعة. وله رأي في الزواج الكنسي الذي لا يحبذه، ويفضّل البقاء على زواجهما المدني، لأسباب كثيرة، منها حضاريته التي تمنح فرص التصرف أمام وقوع المآزق، على عكس الكنسي الذي يبدو في بعض المواقف قيداً سخيفاً. أما بالنسبة لاستمرار العلاقة، فلا حاجة لروابط مصطنعة، وقد لا تقوى هذه الروابط على الوقوف أمام الرغبة الحقيقية أو القناعات. عارض الفكرة جاد الصغير، فكاتي ابنته الأولى تزوجت بالطريقة المدنية حتى الآن ثلاث مرات. كانت الكنيسة ستعيق الطلاق الأول بضع سنوات فيتأخر الثاني، وربما وصلت إلى قناعة بعدم ارتباط جديد، فتنجو من ذلك. أما جورج فكان ينصاع في كل مرة أمام رغبات لين وقراراتها كما تفعل هند .‏

    كانت لين أكثر ابتهاجاً وهي تعانق عمها جورج، فعلاقتهما لم تتأثر بما مر في الأجواء العائلية من أحداث. فصور الطفولة عالقة في ذهنها، حين تخلى عنها أبوها، ورعاها العم الذي كان البديل، فكانت صلة وصل لجمع الأسرة التي تشتّتت يومذاك، وهي التي آزرته حين دب الخلاف بينه وبين أمها. اتهمتها بالخيانة حين اتهمها هو، واعتذرت حين تراجع عن تهيؤاته، غير أنها وفي كل الأحوال حفظت الحب الكبير لأمها، ذلك الحب الذي يتصاعد غيرة، وهي التي تعلن ذلك في كل مناسبة، فهي تحب أمها بجنون. تضحك هند وهي ترميها بكلمات التحبب التي عودتها عليها .‏

    في جو من الود والحميمية اللذين فرضهما لين وبيرت، وباستشارة الكنيسة. حدّد موعد عقد القران. كان وقت بيرت ضيقاً، وعليه العودة لمتابعة أعماله، وخلال الانهماك بالترتيبات أسرّت لين إلى أمها حملها الجديد، ومن خلال الدهشة كانت هند سعيدة، فهي ستصبح جدّة للمرة الثانية .‏

    انغمس جورجي في المقامرة والرهانات بنهم، فلا يكاد يعود من عمله حتى يسرع لتمضية أكبر وقت ممكن. أحب الأحصنة. بأشكاله وأسمائه، وقوة قوائمه، فلكل حصان قيد نفوس وتاريخ بطولات، فيخضع ذاكرته. على من يراهن؟ من سيكون أولها؟ ومن ثانيها؟ وفي غمرة جهوده ينسى جمانا، التي لا تبارح ذاكرته في أوقات العمل والراحة. يراها وهو يأكل أو يتحرّك، وقبل لحظات الغفو. هنا ينساها. ينسى نفسه يصبح كائناً آخر. هذه اللحظات المشحونة بالترقّب والقلق تبعده عن الحياة، أو تضعه أمام معادلة، الحياة أو المقامرة؟ فتنتصر هذه التي تحوّله إلى شبه رجل يتحرّك بلا انتماء .‏

    حين يستيقظ يتذكّر جمانا. يدور في أرجاء البيت. يتعثّر بقمصانه وأحذيته. يلعن ما حوله. يحلم بكوب نظيف، أو قدح من القهوة. تطالعه الفوضى. يجلس منكمشاً. حين أحب جمانا أحب بيته. كان ينظّف محتوياته. يرتّب أشياءه. هنا ستجلس جمانا. هنا ستنام. تتحرّك. من هذه الحديقة ستعبر. كم كان جميلاً ما فكّر فيه آنذاك؟ ستتغير حياته. ستنقلب رأساً على عقب، وهو الذي أضاع سنوات طويلة. ستكون له زوجة، هي الحبيبة التي انتظرها طويلاً، هي الحلم والأمل، فتستمع جمانا بود، فهي تحلم أيضاً بالزوج الطيب الذي ستتابع معه الحياة باطمئنان .‏

    أعجبها بجورجي سيرته الحسنة، فهو محبوب أينما وجد، ربما لهدوئه وسلوكه مع الآخرين. مازال يحتفظ بما تلقاه في طفولته، وحفظه في شبابه، وما لم يستطع التخلي عنه. لم ينس عادات بلده ومقدّساته. بقي شهماً. كريماُ. تميّزه ابتسامة، ويميزه ذلك الاقتضاب في الكلام. تضحك جمانا من أعماقها. (لم لا تجيب؟ تكلم. قل شيئاً) يهز رأسه. (سأتكلم عند الضرورة) تتدخّل هند (قل! أتحب جمانا ؟)..(ما شأنك أنت؟) (أريد أن أعرف) (هي تعرف وكفى).‏

    كانت جمانا تعرف مكانتها عنده، وكانت تعرف أيضاً مكانة كل صالة من صالات القمار. إنه مدمن. مستهلك. عشرات السنوات مع الأحصنة وفي (الكازينوهات) يقضي إجازاته بين (أتلانتيك سيتي) و(لاس فيغاس). تأتيه الدعوات المجانية بما فيها نفقات السفر، والتنقلات والمطاعم. اسمه مدرج في كل منها. رجل يعرف كيف ينفق أمواله دون حساب.‏

    هاهي صورة جمانا تعود بآخر ملامحها. ذلك الجانب الذي لم تره قبل ذلك. لا يدري لماذا ثار تلك الليلة؟ ما الذي استفاق في أعماقه؟ وكأن الخمسة والعشرين عاماً التي قضاها في هذه البلاد، لا تحسب من عمره، فخلال ومضة عاد ذلك الصبي العاشق، الذي لا تعرف الحبيبة ولم تعرف غيره. كان باستطاعته أن يجابه العالم بصدق مشاعره. أو أن يحمل جمانا ويطير بها إلى البعيد .‏

    لماذا لا تفارق ذاكرته؟ هاهو يشتاق إليها. قالت له إنها لم ترفضه هو. رفضت أسلوب حياته. رافقته ذات مرة إلى نادي الأحصنة. كانت تراقبه هناك. تراقب انفعالاته. كان غارقاً بتأمل قوائم الأحصنة، ولائحة التطوّرات، من سيسبق؟ من سيكسب؟ ويعود لدفاتر أمجادها، ومدى تحمّل واستطاعة كل منها، فيسألها فجأة إن كانت ترغب في المراهنة، وانتقاء حصان يدلّها إليه حدسها. كان يخسر مرة ويعوّض أخرى، وحين يحالفه الحظ يرجعه إلى وجودها معه. تلك الليلة أقسمت ألاّ يكون في حياته أمران. أن تكون هي أو لا تكون. كانت صادقة وهي تنقل مشاعرها، وتصف تلك الساعات التي انتزعته من قلبها. كان رجلاً غريباً. مختلفاً عن الذي أحبته، وهي تريد الحب باستمرار، وأعلنت رفضها بجرأة، لأنها لا تستطيع أن تتجزأ، أو تكون اثنتين .‏ تلك الفترة تمنّى لو يستطيع الاستجابة لرغبتها، واختصار عشرات السنوات ليبتدئ الحياة معها. كان يقرّر مقاطعة تلك النوادي ويعود عن قراره. تمنّى في أعماقه لو يستطيع، كان من الصعب أن يقتلع نفسه بتلك البساطة. كان يحب إدمانه كما يحبها. إنه ينساق إلى هناك كما ينساق بقلبه إليها .‏

    من حيث لا يدري، وبعد رحيلها. وجد نفسه غارقاً في تلك الصالات. ربما لينسى كما اعتقد، وربما ليمتلئ منها حتى الارتواء، وربما لشعور ينتابه بأن تلك الصالات قد خدعته طويلاً، وعليه قبل مغادرتها إلى غير رجعة، استرداد حقه الذي هدر بأبسط الوسائل وأحقرها. لابد أن يرجع ذلك الشاب القوي، الذي لا يقع أو يخدع، وفي غمرة ما هو به. كانت جمانا تبتعد لينسى، ويتذكّر، ثم يعود لينسى من جديد .‏

    تغيّرت تينا كثيراً. هذا ما كان يتردّد بين زبائن البار المياومين، وهذا ما لاحظه زوجها الذي يحبّها، والذي يحضر في بعض الليالي لمرافقتها إلى بيت الزوجية. والذي لم تصدق هند شكوكه التي أفصح لها بها خلسة عن تينا .‏

    أقسمت تينا أن لا صحة لتلك الأقوال، فلا علاقة لها بالرجل الغريب الذي يحضر كل مساء. لم يكن لهند صلاحية التدخل في حريّتها الشخصية، وربما لم يكن للزوج أيضاً حرية التدخل التي قد تودي بهما إلى الطلاق. غير أن حرية العمل وقانونه في الأماكن العامة، تخوّل أرباب العمل حق التدخّل حفاظاً على استمرارية النظام، الذي هو أهم من القضايا الأخرى، فالدور الذي تلعبه تينا يجب ألاّ يتعدّى المجاملة العامة، والترفيه، وتوزيع الاهتمامات بالتساوي، فروّاد البارات رجالاً كانوا أو نساء، جاءوا لينسوا أو يتذكّروا، حاملين همومهم أو مباهجهم، فيفرغون شحنات عواطفهم، دون رقيب. قد يستمعون إلى بعضهم بعضاً، أو يتجاهلون. لكن. أهم مستمع هو عاملة البار التي يجب أن يكون صدرها رحباً على الدوام، فعليها مراعاة مشاكل كل من الزبائن الكرام وهمومهم، واستيعاب قضاياهم، خشية أن يشعر أحدهم بإجحاف ما. كل هذا مع الاحتفاظ بابتسامة عذبة، أو تخسر عملها الذي يدرّ عليها الأجر والبخشيش، وينقذها من البطالة التي هي في الدرجة الأولى وحدة، وغربة في عالم فقد العلاقات الاجتماعية والأسرية .‏

    كان هذا عالم تينا ورفيقاتها، اللواتي كن النسبة الواسعة في ذلك البلد، وهن اللواتي نسين المجتمعات الأخرى، أو رفضنها كما فعلت تينا الذكية والمتفوقة. ربما لميولها كالأخريات، أو للفرص القليلة لهن، فأكثرهن لم يتعلمن، أو يثقفن أنفسهن، أما تينا المختلفة فكانت تسرّ لزميلاتها أن أحلامها أكبر من أحلامهن، فهي تحلم بالاحتكاك مع أكبر عدد من الناس، واستقطاب الوجوه والعقول من حولها، لتثبت أنها أكثر إثارة وفتنة، وأن لكلمتها شأناً على الآخرين .‏

    كان الرجل مهذباً. يناهز الخمسين من العمر، وكان صامتاً. هادئاً. لكن وبعد ساعة من معاينة الموجودين، ومراقبة تينا واحتساء الخمر يتحوّل إلى رجل آخر. تحمر عيناه، وتأخذ يده بالرجفان، ويطالب تينا بالتفرّغ له. يتغيّر أسلوب تينا فجأة. ترتبك. أما زوار البار الذين عوّدتهم على نمط آخر من المعاملة، فقد لفت انتباههم وجود الغريب. كان بعضهم مهتماً، وبعضهم الآخر منشغلاً بأموره العاطفية، كالذين ترافقهم صديقاتهم أو العكس. غير أن الملاحظة كانت واحدة عند الجميع، فهذا رجل أتى ليثبت مكانته عند تينا، ولم يفت بعضهم إلقاء نظرة على الزوج الذي كان في حالة من الإحباط، ثم يعودون إلى اهتماماتهم الخاصة بهم، وكأن شيئاً لم يكن .‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 4:28 am