roubaii.mohammed

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
roubaii.mohammed

ان المنتدى سيكون مميزن وميكون رهنا اشارت الجميعة. roubaii.mohammed


    أول حـب… آخر حـب 12

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 128
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 33
    الموقع : roub.yoo7.com

    أول حـب… آخر حـب 12 Empty أول حـب… آخر حـب 12

    مُساهمة  Admin السبت أغسطس 29, 2009 7:56 am

    كانت شيري محبوبة، أو أن الجميع يتعاطف معها، ربما لأنها وعت الحياة في مصح للأمراض النفسية. أو لأنها لا تتعاطى مع أحد إلاّ نادراً. تعمل حين تحتاج للمال، فتغيب أحياناً عدة أيام وتعود للعمل من جديد. لا تحب أن تسأل عن ماضيها، أو أن تتذكّر أيامها الصعبة، فمنذ أن بدت عليها ملامح المراهقة، أصابتها نوبات من الحالات الغريبة، كأن تبكي أو تصرخ، أو تتشنّج أطرافها، أو تدخل في هذيان تتلفّظ عبره بكلمات مبهمة . تشتم أو تهدّد، وفي حالات الصحو تشرد دون أن تتفوه بكلمة .‏

    لم تعد تتحدّث عن ماضيها، ففي مرات سابقة وفي أحد المصحات، وتحت نوبة هيستيرية. اتهمت زوج أمها بالاعتداء عليها، وعولجت على أساس كهذا، ودب الشقاق بينها وبين الأم التي نعتتها بالجنون، وفي مرّات لاحقة. اعترفت بقصتها بطريقة مختلفة. لم يكن المتّهم زوج أمها. كان أبوها الحقيقي الذي مارس الجنس معها عشرات المرات. حدث هذا قبل سني المراهقة والوعي .‏

    شيري جميلة على الدوام. مثيرة باستمرار. لكنها تخاف من الشبّان، وتخاف من ممارسة الجنس. تعتقد بالحب وتخافه، وحين تتعرف إلى أحد الشبان أو تعجب به. تستمر العلاقة بينهما إلى أن يعلن إعجابه، فتهتز الصورة ويتحوّل إلى وحش عليها الهروب منه. أحبها شاب واعتقدت أنها أحبته. حاولت الاستمرار معه. لكنها اختفت عن عينيه ذات يوم ، ونسيته. حين تتحدّث عن الرجال تنعتهم بالوحوش، وتشك بسلوك الجميع منهم. تفسّر الحركة والنظرة ببداية سطو. تخاف من العتمة والوحدة. لا تحب المجاملة. تفسر كل نأمة بتملق أو مراوغة للوصول .‏

    شيري هذه تحب المال ولا تحبه. تسعى إليه لكي تصرفه، وحين تستحوذ عليه تريح نفسها من العمل. تهرع للرهان أو إلى أحد البارات. تشرب حتى الثمالة، وحين تفرغ ما في جيوبها. تعود إلى البيت الذي تشاركها فيه فتاة سحاقية. تقاسمها المصاريف، وتصفها بالرفيقة المثلى .‏

    أكثر الصديقات اقتراباً منها هي ميكي. نصحتها بالزواج من شاب أجنبي يبحث عن التجنس. يغدق عليها المال، ولا يفكر بالاقتراب منها، كما حصل معها، فبعد زواجها من نبيل قرّرت الحمل من صديق لها، فلسوف يتكفل نبيل على اعتباره الزوج، بمصاريف الطفل. لم تكن تعني له تلك الفترة أكثر من اسم على الورق. غير أنها وهي التي تعرف معنى المال. اكتشفت سيولته بين يديه. راحت ترسم الخطط لتوقعه في شباكها. أعجبها آنذاك تعفّفه، وربما أغرمت به.‏

    لأول مرة خاف نبيل منها . فتح الباب وخرج. تمنى لو يستطيع تمتين العلاقة معها. لو يعيشان كرجل وأنثى. يجمعهما الحب. لكن! يجب أن يتم هذا خارج إطار الزوجية. كان يخاف من تطور العلاقة بينهما. أما بالنسبة له، فلا تعد الفتيات اللواتي مررن في حياته، خلال الأشهر القليلة التي قضاها في توليدو .‏

    غاب نبيل في شوارع توليدو وصورة ميكي في عينيه. بشعرها المسترسل على كتفيها، وثوبها المفتوح عند الصدر والفخذين. كان يشتهي ملامستها لمرة واحدة، سيضمها إليه. يمطرها عشقاً. يلامس كل خلية من جسدها الناصع البياض. يمتلكها يوماً واحداً. ساعة واحدة. صورتها لا تفارق عينيه. صوتها. عيناها. لونها. أثوابها التي يقلّبها قطعة قطعة. سريرها، وكم حلم أنها قربه، فيطيل النظر إلى أشيائها. يبعثرها ويعيدها إلى ما كانت عليه ،‏

    كان نبيل آخر من علم بحمل ميكي. شعر بالغضب، وكأن امرأته خرجت عن طوعه. تلك الليلة انتظر عودتها، وبدون أن يسألها شيئاً. أخذها من يدها. ألقاها على السرير. كانت هي مندهشة. حضنته بقوة. ارتمى يسكب شهوته فوق الجسد المنتظر، وغفا تلك الليلة حتى الصباح بدون حراك، أما هي التي اعتقدت بأنها امتلكته، بدت في أيام لاحقة أكثر نشاطاً. كانت تفكر كيف سيغدق عليها وعلى ابنها القادم إلى الحياة .‏

    خطا بثقة وبطريقة لافتة. مسح المكان بنظراته. البار. الجدران. النوافذ. اختار مكاناً، وبخطوات ثابتة. اتجه إلى زاوية تطل على الحديقة الجميلة. جلس .‏

    أعاد النظر في المكان. كانت العاملة ميري تقترب وتؤهل به. وتسأله عن طلباته، وكان هو منشغلاً ببعض الصور الجدرانية. التفت نحوها مبتسماً. سألها عن وجبة طعام عربية الصنع. غادرته لتنادي هند التي خرجت من المطبخ .‏

    كان يدير ظهره نحوها، وكان وجهه نحو الحديقة. استطاعت رؤية شعره الموشى بالأبيض، وكتفيه العريضتين، وقد ثبت خلف النافذة بهدوء .‏

    اقتربت هند في اللحظة التي أدار وجهه. لم يتحدّث إليها. كان ينظر بعينيها. لم تسأله شيئاً. حدّقت إلى عينيه. كان وجهه محبباً. كأنها رأته قبلاً. كأنهما التقيا، واستطاعت خلال ومضة استرجاع أكثر من صورة في الذاكرة. كان هو صامتاً . هادئاً. وكانت هي على عجل. سألها متعمداً النظر بعينيها :‏

    ء لم لا تحدّثينني بالعربية. أجيدها أفضل .‏

    لم تستطع إخفاء المفاجأة. ابتسمت. قالت أيضاً على عجل:‏

    ء كأنني أعرفك! من أنت ؟‏

    ء أنا أعرفك. أما أنت فلا أدري .‏

    قرّرت أنها لا تعرفه وهي تستجمع ذاكرتها. فلم تصل إلى ذكرى أو حد يربطها بهذا الرجل. قالت على عجل أيضاً:‏

    ء وجبتنا لا تمت للأكل العربي، أما بيتي فقريب. إن رغبت . لدي ما أحضره لك .‏

    ء أكون شاكراً.‏

    أسرعت ميري تحضر الطعام. عادت هند إلى المطبخ، غير أنها بقيت منشغلة. أين ومتى التقت بهذا الرجل؟. كان وجهه ولون عينيه لا يفارقان ذاكرتها. استرجعت الماضي. الوجوه. الأسماء. قبل سنوات. عشرات السنوات. تأكدت أنها لا تعرفه، لكنها شعرت بالسعادة وهو يطالبها حديثاً بلغتها الأم، ولأنها قدمت له الطعام الذي يرغب. وكانت تسرق الوقت، لتراقبه غارقاً في الصحن أمامه .‏

    أنهت عملها في المطبخ. خرجت. كان قد ذهب. جلست قرب النافذة كما تفعل دائماً. لأول مرة يشاركها الجلسة خيال رجل. ضحكت في سرّها. لماذا غادر دون كلمة؟ لم يتحادثا. من هو؟ من أين أتى؟ هل سيعود؟ ربما لا! لكنها لن تنسى نظرته. هل كان يريد شيئاً؟ لا. لا يريد، فقد أعطى لمحة عن نفسه. الحديث بالعربية. الأكل العربي. النظرة التي! شردت قليلاً. نظرته تركت عندها أكثر من سؤال .‏

    أصلحت وضع الوردة الحمراء في الكأس الطويل. قرّبتها من أنفها. لاحظت رائحتها المنعشة. أخذت نفساً عميقاً. مررتها فوق خدّيها. فوق شفتيها، وأعادتها ثانية للكأس .‏

    منذ زمن لم تتذكّر الماضي بصفاء هكذا ! لماذا تهجم عليها الذكريات لاذقيتها الحبيبة. بحرها الأبيض. قريتها. أجمل صور الطفولة. في قرية جدها الهادئة، حيث أشجار اللوز والتين والتفاح. هنالك بين الأغصان. كان لها سرير ووسادة. تنام مع زقزقة العصفور. كان العصفور ينقر ثمار التين. يختار الناضج منها، وكأنه يدعو العصافير لوليمة، وكانت بالمقابل تدعو صديقاتها الصغيرات. عند العصر يحلو ثمر التين مغمساً بخبز التنور الساخن، مع صوت الجدة وهو يعلو بالغناء. تدنو دجاجة. تلحق بها صغارها. تنقر التراب. تكون الشمس في رحلة الغروب، والنسمات تداعب أوراق الشجر، وخرير الساقية تحت شجرة الجوز. كان الحلم يشتد في جلسات المساء، مع سهرات الجد وطاولته الملأى بالمأكولات البسيطة. زعتر وزيتون وأقراص البندورة الحمراء. كان جدها قليل الكلام. يتحدّث بعينيه وربما بيديه. كان يكفي أن يتحرك ليتوقّع الجميع شيئاً. خاصة هند المعجبة به، والمتهيبة منه، فتفسر الحركة والنأمة، فيبتسم لها . كان يخصها بالحب والمجالسة. يسألها. هل تتقنين الرسم ؟ تهز رأسها. تنهمك بالورق والألوان. ترسم رجالاً ونساء. ترسم جدها متصدراً المكان. ترسم عصافير على كتفيه. قطة أو قطتان، وتقسم أنها تسمع مواءها، وصياح الديك، وترى طائر الحمام متمايلاً بدلال. يبتسم الجد. يمرر كفه فوق رأسها الصغير بحنان .‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 4:37 am